22 ديسمبر 2008

استقبل في مقر بعثته بمكة جموعاُ من الحجاج القادمين من الخليج وأمريكا وأوروبا
فضل الله: الفرصة متاحة لحوار إسلامي- غربي معمّق لا يقتصر على الجانب الرسمي


استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، في مقر بعثته بمكة المكرمة جموعاً ووفوداً من الحجاج العراقيين والكويتيين والعمانيين والسعوديين والباكستانيين، إضافة إلى حجاج قادمين من أميركا وأوروبا والدول الاسكندينافية.
وألقى سماحته في الحجاج كلمة تطرق فيها إلى ما يجري في العالم من خطط ومشاريع لمحاصرة الإسلام، ومنعه من الامتداد فكرياً وثقافياً وتشريعياً، مشيراً إلى أن التضييق على حركة هجرة الكثير من العرب والمسلمين إلى بلاد الغرب يدخل في سياق التضييق على الإسلام نفسه، وقد لاحظنا كيف أن مسؤولي العدو الصهيوني حذروا من الانتشار الإسلامي في أوروبا، وعملوا على التهويل على الأوروبيين، لإظهار الإسلام كعدو يجب محاربته ومنعه من الامتداد، والتضييق على المنتمين إليه بكل السبل.
ورأى سماحته أن التصدي لذلك ينبغي أن ينطلق من خطين: الأول ويتمثل في استمرار العمل الحركي الإسلامي، والعمل التثقيفي والإعلامي والسياسي بالوسائل المشروعة والهادئة والتي لا تمثل اعتداءً على أحد أو إساءة للآخرين، ويتمثل الثاني في توحيد جهود الجاليات الإسلامية في البلدان الغربية، سواء لجهة التعريف بحقيقة الإسلام وبيان رحابته وانفتاحه وتسامحه، واتساع صدره وأفقه تجاه الآخر الذي يختلف معه دينياً أو سياسياً أو ما إلى ذلك، أم لتوضيح أن الإسلام لا يحمل مشروعاً للسيطرة على الآخر وتقويض بنيانه الاقتصادي أو تدمير ثقافات الشعوب، بقدر ما يحمل من مشاريع توضيحية لتقديم نفسه للآخرين، وتقديم مفاهيمه، كما هي على حقيقتها، بعيداً من عمليات التشويه والتشويش المتواصلة ضده.
وأضاف سماحته: ليس هناك من دين أو فكر يتعرض لحملات من التشويه المتواصلة منذ قرون كما يتعرض الإسلام لذلك، وبالتالي فمن حقه أن يرد على ذلك بالوسائل الإعلامية والثقافية والسياسية المشروعة لدى الآخرين، داعياً إلى إدارة الحوار الإسلامي ـ الغربي في شكل شمولي وطريقة حضارية وبعيداً من التهاويل المثارة ضد الإسلام، والتي غالباً ما يُسقِط فيها الإعلام الغربي صورة دعاة العنف من المسلمين أو المنتمين لحركات صدامية عنيفة على الواقع الإسلامي أو على المفاهيم الإسلامية.
وقال سماحته: إننا نعتقد أن التطورات الأخيرة التي أصابت العالم بأسره في اقتصاده وأمنه الغذائي والصحي والبيئي، إضافة إلى التوترات والاهتزازات والاعتداءات الأمنية على المجتمعات المسالمة في الشرق أو في الغرب، ينبغي أن تفسح في المجال لحوار إسلامي ـ غربي في العمق، ينطلق في الدوائر الثقافية والسياسية الأساسية ومن خلال أهل الاختصاص، ولا يقتصر على الجانب الرسمي الذي غالباً ما يأخذ شكلاً احتفالياً تستفيد منه بعض الدوائر السياسية هنا وهناك، ولكنه يبقى من دون أثر في الأرض الشعبية والسياسية.
كما اعتبر سماحته أن الأحداث الأخيرة في العالم من جهة، وتطورات الأوضاع الداخلية في العالمين العربي والإسلامي أفسحت في المجال لفرص جديدة يمكن أن تنفتح فيها الدوائر السياسية الأساسية في الغرب على محاورة الحركات والأحزاب الإسلامية، وخصوصاً تلك التي تنطلق في المقاومة والممانعة، ولكنها ترفض الإرهاب أو العنف الذي يضرب خارج نطاق الاحتلال أو يتعرض للأبرياء في أي مكان في العالم.
وقال: إن دعوتنا إلى ضرورة استغلال الفرص الجديدة المؤاتية للحوار، والمنطلقة من رؤية تأخذ في الحسبان المخاطر الكبرى المحدقة بعالمنا وبالبشرية جمعاء، لا تعني أن تتناسى الشعوب ظلاماتها، أو تسكت عن الذين أجرموا في حقها، ولذلك فمن حق شعوبنا أن تطالب بمحاكمة مجرمي الحرب الذين دمّروا البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي في كثير من بلدان المنطقة، وخصوصاً مجرمي الحرب من الصهاينة في فلسطين المحتلة، الذين يمارسون في هذه الأيام أبشع أنواع الجرائم، وبشكل مكشوف ومفضوح أمام العالم الذي يتفرج على مأساة الفلسطينيين وعلى تجويعهم وحصارهم وقتلهم، وكأنه ينتظر منهم أن يرفعوا الراية البيضاء ويستسلموا للمحتل ويسلّموا بشروطه، وهو الأمر الذي نعرف أن الفلسطينيين لن يقدموا عليه لأننا واثقون من قدرتهم على الصمود وإمكاناتهم في إرباك خطط العدو ومشاريعه.
وأضاف سماحته: إن العالم يتطلع في هذه الأيام إلى ما يجري في غوانتانامو من محاكمة لبعض المتهمين بأحداث 11 أيلول، والتي يراد من خلالها إعطاء شهادة سياسية نهائية للرئيس الأمريكي جورج بوش مع قرب انتهاء حكمه، وبصرف النظر عن طبيعة هذه المحاكمة، نقول إن على العالم الحر أن يتحرك الآن وفي المستقبل لمحاكمة بوش نفسه، لأنه إذا كان هؤلاء متهمون بقتل بضعة آلاف فإن بوش قد قتل عشرات الآلاف من شعوبنا، ودمّر اقتصادات بلداننا، وأفضت سياسته وقراراته إلى النتائج الكارثية التي تصيب العالم في هذه الأيام، ولذلك فإذا كان العالم قد سلك الطرق التي يحاكم فيها الأقوياء ضعاف الناس أو من يتّهمون بمواجهة مشاريع الكبار، فعلى القوى الحيّة والطلائع الواعية و المثقفة في العالم والجهات الحقوقية المختصة أن تسعى جهدها لمحاكمة طواغيت الأرض والعابثين فيها فساداً وقتلاً، وعلى رأسهم جورج بوش و رموز إداراته.
وكان سماحته قد استقبل سماحته رئيس الوزراء العراقي السابق، إبراهيم الجعفري، ودار حديث في المسألة العراقية وآفاقها، وفي عدد من الشؤون العربية و الإسلامية



مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 13-12-1429 الموافق: 10/12/2008

ليست هناك تعليقات: