18 نوفمبر 2009

في معرض استقباله وفداً من‏ الباحثين والأكاديميّين النّروجيّين
فضل الله: ألمحُ حركةً دوليّةً تتزعّمها أمير‎‎‎‎‎كا تعمل لإخراج المسيحيّين من المعادلة الدّاخليّة

أبدى العلامة المرجع، السيّد محمد حسين فضل الله، خشيته من وجود حركة دوليّة تتزعّمها الولايات المتّحدة الأميركيّة، تعمل لإخراج المسيحيّين من المعادلة الدّاخليّة، أو على الأقلّ لإضعافهم، مشيراً إلى أنّ أميركا تنظر إلى لبنان من زاوية مصالحها في المنطقة.

ورأى أنّ مشكلة العراق تكمن في استمرار الاحتلال، وفي عدم وجود قوّة شعبيّة وسياسيّة عراقيّة تستطيع أن توحّد الجميع في ظلّ عمليّة التوزّع المذهبيّ والعرقيّ والسياسيّ.

وأشار إلى أنّ الجميع في المنطقة يتحضّر للحرب، فيما لغة الصّالونات السياسيّة هي لغة السّلام، لأنّ الإدارة الأميركيّة تتطلّع إلى مزيدٍ من العنف في المنطقة، وهي لا تختلف عن الإدارة السّابقة إلا في أساليب التّعاطي، أمّا على مستوى المضمون والمحتوى، فلم يتبدّل شيء.

استقبل سماحته وفداً نروجيّاً ضمّ: البروفسور في علم الاجتماع "بيورن أولاف أوتيل"، والدّكتورة تيلدا روسمر، الباحثة في الحركات الإسلاميّة على السّاحة الفلسطينيّة، والدّكتور "ترولس تونسن" الباحث حول: الإسلامويّة بين العنف والسياسة، والصّحافي كاي كغمه، حيث جرى حوارٌ مطوّلٌ حول النّظرة الغربيّة إلى الإسلام، ودور الحركات الإسلاميّة وتأُثيرها في منطقة الشّرق الأوسط، إضافةً إلى تطوّرات الأوضاع اللّبنانيّة والفلسطينيّة والعراقيّة.

وأشار سماحة السيِّد فضل الله إلى أنَّ المشكلة الّتي لا تزال قائمةً بين المسلمين والكثير من الشّرائح السياسيّة والثّقافيّة الغربيّة، تنطلق تارةً من جهل الكثير من هذه الشّرائح بالإسلام، وسيطرة مسألة الرّهاب من الإسلام على الكثير من الذهنيّات وأنماط التّفكير في تلك البلدان، وتارةً أخرى من عدم السّعي لإنجاز تفاهمٍ متبادلٍ يقوم على الحوار بين المهتمّين بالشّأن الإسلاميّ من الغربيّين، أو أولئك الّذين يشعرون بأنّهم على تماسٍ فعليّ مع المسلمين والجاليات الإسلاميّة.

أضاف: نحن لا ندعو إلى مصالحةٍ بين الإسلام والغرب، لأنّنا لا نعتقد أنّ الإسلام يمثّل عدوّاً للغرب، كما تحاول الكثير من الأجهزة المتّصلة بالصّهيونيّة العالميّة أن تقدّمه، بل إنّه يمثّل الفكر المنفتح على آفاق الرّوح والحياة، والّذي يسعى إلى تقديم نفسه إلى الآخرين في نطاق الأفكار والطّروحات والمناهج الكثيرة التي ينفتح الغربيّون عليها، كما أنّنا نرفض أن يُصار إلى التّعامل مع الغرب كعدوّ، كما نرفض لغة التّعميم الّتي تضع الشّعوب في مصاف الإدارات والسّلطات الحاكمة، لأنّنا نعتقد أنّ في الغرب مَنْ هم من أصحاب الحكمة والتعقّل، ومن يسعى لإعطاء الحقّ إلى صاحبه، مما قد لا نجد له مثيلاً في كثيرٍ من المواقع الشّرقيّة.

ورأى سماحته أنّ ثمّة خططاً رُسِمَتْ سلفاً لمنع الغربيّين من الدّخول في حواراتٍ منتجةٍ مع المسلمين أو المنتمين إلى الإسلام. ولذلك فإنّ الحاجة تبدو ماسّةً إلى حوارات فكريّة سياسيّة على نطاق واسع، تعالج فيها مراكز الدّراسات النّقاط المثارة هنا وهناك، على أساس المكاشفة الّتي تنفتح ـ بعد ذلك ـ على المواقع الإعلاميّة، وحتى الشّعبيّة.

وسئل سماحته عن السَّبب في بقاء الوضع اللّبنانيّ في نطاقٍ من التوتّر والجمود، والتأخّر في تشكيل الحكومة، فأشار إلى أنَّ بعض اللّبنانيّين ممّن يملكون مواقع قياديّة، سهّلوا الأمر للخارج لإدخال بلدهم في لعبة المساومات الإقليميّة والدوليّة، وفضّلوا سياسة الانسجام مع ما تطرحه المحاور الدوليّة على حساب الانسجام الدّاخليّ، وأصغوا إلى الخارج الّذي أصرّ على التّعامل مع الدّاخل على أساس أنّ الهزيمة لحقت بفئة لبنانيّة، وأنّ من الضّروريّ التّعاطي مع الوضع وفق منطق الرّبح والخسارة، حتى وإن أفضى ذلك إلى نتائج لا تُحمَد عقباها داخليّاً.

أضاف: إنّني ألمح حركةً دوليّةً تتزعّمها الولايات المتّحدة الأميركيّة، تعمل بطريقةٍ وأخرى، لإخراج المسيحيّين من المعادلة الداخليّة، أو على الأقلّ لإضعافهم، حيث يتطلّع الأميركيّون إلى لبنان من زاوية معيّنة، ومن منظورٍ يعتقدون من خلاله أنّ مستقبل لبنان لا تصنعه الجهات المسيحيّة المختلفة، كما أنّهم (الأميركيّين) يعملون لاجتذاب لبنان إلى سوق تجارتهم الدّوليّة في المنطقة، وهم ينظرون إلى المنطقة بعين المصلحة التي ترصد المواقع من خلال الحركة المذهبيّة والسياسيّة، كما ترصدها من زاوية الأمن الإسرائيليّ. ولذلك، فإنّنا عندما نرصد أيّة حركة داخليّة تتّصل بمسألة تأليف الحكومة أو غيرها، فإنّ علينا التّدقيق في كلّ ما يتّصل بالمصلحة الأميركيّة في تأليفها أو تعطيل هذا التّأليف أو تأجيله، من دون أن نستبعد بقيّة اللاعبين الإقليميّين من هذه الحسابات.

إنّنا، ومن خلال رصدنا للإدارة الأميركيّة الحاليّة، نعتقد أنّها تتبنّى الخطّ البراغماتيّ القائم على النفعيّة الّتي لا تقيم وزناً للقيم الإنسانيّة الحضاريّة، وبالتّالي، فهي لا تختلف في العمق عن الإدارات الأميركيّة المتعاقبة، الّتي لم تحترم الوجود المسيحيّ في لبنان، حيث عملت، ومنذ العام 1975، على إضعاف هذا الوجود. وعلى الجميع ألا يتناسوا مشروع "دين براون" الذي كان يقوم على تهجير المسيحيّين وإخراجهم من الشّرق، وهذا لا يعني أنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة تُخلص للمسلمين، لأنّها لا تُخلص إلا لمصالحها ومصالح إسرائيل.

ورأى أنّ مشكلة العراق تكمن في استمرار الاحتلال، وفي فشل الكثير من الأطراف في التّوصل إلى إيجاد أرضيّة لوحدة شعبيّة واسعة النّطاق، مشيراً إلى أن توزّع القوى مذهبيّاً وعرقيّاً وسياسيّاً، ودخول مختلف الأطراف في لعبة تقاسم الحصص على الطّريقة اللّبنانيّة، أبقى العراق في دائرة الاهتزاز، لا على الصّعيد الميدانيّ فحسب، بل لجهة البنية الأساسيّة للنّظام. ولذلك فإنّ مصلحة العراقيّين جميعاً، تكمن في سعيهم لتشكيل قوّةٍ وطنيّة وسياسيّةٍ جامعة، تلمّ شملهم في إطار وحدة وطنيّة تتجاوز الطّوائف والمذاهب والأعراق، وهو الأمر الّذي يبدو صعباً ومستصعباً في الظّروف السياسيّة والأمنيّة الراهنة.

ورأى أنّ الفلسطينيّين يدفعون ثمن الموافقة الأميركيّة على إبقاء الكيان الصهيونيّ خارج نطاق المحاسبة، وبعيداً من متناول القانون الدوليّ، الأمر الّذي لا ينعكس على حياتهم ومستقبلهم فقط، بل على الوضع العام في المنطقة. ولذلك فإنّ الحديث عن مفاوضاتٍ للسّلام هو تعمية على الوقائع، لأنّ المنطقة مقبلة على المزيد من العنف، فيما يبتعد السّلام، وهذا ما تريده أمريكا بإدارتها الجديدة التي بدّلت الأساليب وغيّرت أِشكال التّعاطي مع العالم العربيّ والإسلاميّ، ولكنّها لم تبدّل شيئاً على مستوى المضمون والمحتوى... ولذلك، فالجميع يتحضّر للحرب في الوقت الّذي تضجّ الصّالونات السياسيّة بكلمات السّلام ومفرداته.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

التاريخ: 21 ذو القعدة 1430 هـ الموافق: 08/11/2009م

ليست هناك تعليقات: