18 نوفمبر 2009

دعا الدّول الفاعلة في منظّمة المؤتمر الإسلاميّ إلى مبادرات فاعلة لرأب الصّدع بين بعض الدّول الإسلاميّة
فضل الله يستغرب صمت الأمّة أمام فتاوى القتل اليهوديّة، فيما تستمرّ فتاوى التّكفير الذّاتيّ في داخلها

دعا العلامة المرجع، السيّد محمّد حسين فضل الله، دول منظّمة المؤتمر الإسلاميّ، وخصوصاً الدّول الفاعلة منها، كسوريا وإيران وتركيا، إلى التقدّم بمبادراتٍ سياسيّةٍ نوعيّةٍ لمعالجة بعض الأزمات الحادّة في الأمّة، وما يتّصل بالعلاقات المتوتّرة بين بعض الدّول الإسلاميّة، والّتي تهدّد بنسف جسور التّعاون فيما بينها، مشدّداً على ضرورة التحرّك السّريع لرأب الصّدع، لأنّ ثمة من يعمل لإحداث فجوةٍ في العلاقات داخل الأمّة... مؤكّداً أنّ من المعيب أن تصدر فتاوى الحاخامات بقتل العرب والمسلمين، حتى الأطفال والرضّع، فيما لا يصدر عن الأمّة إلا فتاوى التّكفير الذاتيّة ضدّ هذا المذهب أو ذاك، أو داخل المذهب الواحد. واستغرب سماحته عدم تقديم القمّة الاقتصاديّة لمنظّمة المؤتمر الإسلاميّ، مبادرةً فاعلة لرفع الحصار الظّالم عن غزّة.

وجاء في بيان سماحته: "إنّ الوضع الصّعبَ والدّقيقَ الّذي تعيشه الأمّة الإسلاميّة، يحتاجُ إلى بذلِ الكثيرِ من الجهود الّتي تتجاوز الدّعوات المتواضعة، لإحراز تقدّم في الجانب الاقتصاديّ وفي العلاقات البينيّة بين الدّول الإسلاميّة، وهو الأمر الّذي أكّدته القمّة الاقتصاديّة لدول منظّمة المؤتمر الإسلاميّ، والّتي عقدت في اسطنبول قبل أيّام.

إنّنا، وإلى جانب المسألة الّتي ينبغي أن تحظى بمزيدٍ من الاهتمام فيما يتعلّق بالشّؤون الاقتصاديّة، وما يتّصل بالعلاقات بين الدّول الإسلاميّة في هذا الجانب، نعتقد أنّ على دول منظّمة المؤتمر الإسلاميّ، وخصوصاً الدّول الفاعلة، والّتي أبدت حرصاً مسؤولاً في السّنوات الأخيرة على احتضان قضايا العالم الإسلاميّ، وتبريد أزمة الخلافات بين دوله، والسّعي لتطوير العلاقات وتعزيزها فيما بينها، وخصوصاً تركيا وإيران وسوريا، أن تتقدّم بمبادراتٍ سياسيّةٍ نوعيّةٍ لمعالجة بعض الأزمات الحادّة، والّتي بدأت تأخذ طابعاً خطيراً، لا يتّصل بالدّول الّتي تجري المشاكل على أرضها، بل يتعدّاها إلى دولٍ أخرى، الأمر الّذي يهدّد بنسف جسور العلاقات فيما بينها، وخصوصاً في ظلّ الدّور غير الإيجابيّ الّذي مارسته وسائل إعلاميّة عربيّة وغير عربيّة، والّذي انعكس توتّراً ملحوظاً في العلاقات السياسيّة بين فريقٍ هنا وفريقٍ هناك.

إنّنا نعتقد أنّ من الضروريّ بمكان، أن تتحرّك الدّول الإسلاميّة الفاعلة لرأب الصّدع في بعض الملفّات والمشاكل الّتي خرجت عن طورها في الآونة الأخيرة، كما في مشكلة صعدة في اليمن وتشعّباتها، ودخول أطراف دوليّين وغير دوليّين على الخطّ، لجعل هذا الملفّ مشتعلاً، ولإحداث فجوةٍ في العلاقات الإسلاميّة ـ الإسلاميّة، بما يؤدّي إلى تفجّر الأوضاع بين بعض الدّول، وخصوصاً أنّ المشاكل السياسيّة بدأت تأخذ طابعاً مذهبيّاً، يعمل الإعلام المتعصّب على تغذيته، وتدخل على خطّه جهاتٌ تكيد للأمّة وقضاياها، لتوجّه الأمور نحو الاشتباك الداخليّ في الأمّة، بما يريح العدوّ الصهيونيّ أكثر، ويجعله أكثر استعداداً على المستويات السياسيّة والأمنيّة لمواجهة مواقع القوّة في الأمّة وحركات المقاومة فيها.

إنّ من اللافت فعلاً أن تصدر الكتب الصّهيونية الجديدة عن بعض الحاخامات في فلسطين المحتلّة، حاملةً عناوين القتل حتى للأطفال العرب والمسلمين، لأنهم "يسدّون طريق النّجاح" أمام جيش العدوّ، كما جاء في كتاب الحاخام الصّهيوني "شابيرا"، فيما تتصاعد الحملات الإعلاميّة والسياسيّة بين الدّول الإسلاميّة على خلفيّة تدخّل هذه الدّولة بشؤون تلك، أو اتهام هذه الدولة لتلك بالتورّط في هذا الملفّ السّاخن أو ذاك الملفّ المتوتّر... وهكذا.

إنّه لمن المعيب أن تصدر الفتاوى الصّهيونيّة بقتل العرب والمسلمين، حتى الرضّع منهم، ثم يعمل جيش العدوّ على تطبيق هذه الفتاوى وتجسيدها في الحرب على الفلسطينيّين واللّبنانيّين، وفيما يعدّ له من حروبٍ تستهدف دول الممانعة والمقاومة، فيما لا يصدر عن الأمّة إلا فتاوى التكفير الذّاتيّة من بعض رموز هذا المذهب ضدّ المذهب الآخر، أو العكس، أو حتى في داخل المذهب نفسه، وأن تتحكّم حركة العنف الدامي التي تديرها ذهنيّات إقصائيّة بواقع الأمّة من الدّاخل، فيُقتَل الأبرياء، وتُسفَك دماء المدنيّين، من دون أن تتحرّك الغيرة الإسلاميّة والعربيّة في الأمّة لمواجهة العدوّ الّذي ينظر إلى واقع الأمّة الممزّق، فيعمل على تمزيقه أكثر بمخابراته وجنوده المجهولين الّذين جنّدهم في واقعنا، أو حتى من خلال الوجوه السياسيّة المكشوفة التي تتبنّى سياسته وحركته بطريقة وبأخرى. وهي تُمعن في توتير الأمّة من الداخل، وشحن النفوس بالعصبيّات المذهبيّة القاتلة، وتحرّك السّاحات بأساليبها الإقصائيّة الحادّة.

إنّنا نستغرب الصّمت المطبق للأمّة، بما فيها القمّة الاقتصاديّة لمنظمة المؤتمر الإسلاميّ، حيال الحصار المتواصل لغزّة، وعدم القيام بأيّ مبادرةٍ حقيقيّةٍ لإنقاذ الشعب الفلسطيني الّذي يستقبل موسماً آخر من مواسم الشّتاء في الخيمة، حيث إنّ البيوت التي دمّرتها الوحشيّة الإسرائيليّة لا تزال على حالها، حتى ظنّ الكثيرون أنّ تهديدات العدوّ لهذا المسؤول الدّوليّ أو ذاك المسؤول التّركيّ قد فعلت فعلها، وأن المسألة بقيت في نطاق التّفاعل الكلاميّ الّذي لا تواكبه أيّة خطّة ميدانيّة. والأخطر من ذلك كلّه، أنّ الجامعة العربيّة لا تستحضر عناوين السّيادة إلا في المنازعات الداخليّة، ولا تبذل أيّ جهدٍ حقيقيّ للدّفاع عن السّيادة العربيّة التي ينتهكها العدوّ يوميّاً في لبنان وفلسطين المحتلّة...".

وختم سماحته: "إنّنا في الوقت الّذي نرحّب بالدّور الإطفائي الّذي قامت به تركيا في الآونة الأخيرة، ندعو إلى دورٍ أوسع على مستوى الأمّة كلّها، لإطفاء نيران النـزاعات الموضعيّة التي أوشكت أن تمتدّ إلى ساحاتٍ أكبر، ولا سبيل إلى ذلك إلا بتعاونٍ واسع النّطاق بين مختلف دول منظّمة المؤتمر الإسلاميّ، وخصوصاً الدّول الفاعلة، ولينطلق التّعاون في المجالات السياسيّة الواسعة، حيث لا مجال للنّجاح في النّطاق الاقتصاديّ بعيداً عن الملفّات الحيويّة الاستراتيجيّة فيما هي المسألة السياسيّة العامّة في الأمّة".

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

التاريخ: 28 ذو القعدة 1430 هـ الموافق: 15/11/2009 م

ليست هناك تعليقات: