ولعلّنا هنا نجد أنّ المفهوم الإسلامي للحرّية ينطلق من أمرين:
الأوّل: عقيدة التوحيد التي تربط الإنسان بالله تعالى وحده، ما يرتفع بالإنسان عن كلّ الموجودات، ليملك حرّيته أمامها، فلا يستعبده أيّ موجود، وإنّما يتمثّل الإنسان حرّيته أمام كلّ المخلوقات التي يتشارك معها عبوديّته لله، كما قال تعالى: }إنّ ما تدعون من دون الله عباد أمثالكم{، لينطلق في سلوكه معها من خلال عبوديّته لله، في ما يأمر به وينهى عنه.
الثاني: اعتبار العقل هو الضابط الرئيس لحركة الحرّية، بمعنى أنّ عقيدة التوحيد هي التي تُعطي العقل الموازين التي يضبط فيها إرادته أمام نفسه وأمام خارجها، بما قد يُنظر إليه من جانبٍ على أنّه تقييد لحركة الذات، ولكنّه ـ في الحقيقة ـ حركة انعتاق لها وتحرّر يكاد يكون مطلقاً تجاه الوجود كلّه عدا الله تبارك وتعالى.. وحتّى عندما يقيّد الإنسان حركته في إطار الدِّين فإنّما يقيّدها من موقع حرّيته عبوديّته لله فقط، ممّا أكّده له العقل في موازينه التي يُدرك فيها حقائق الأشياء، ويضبط فيها مسار الإنسان في اتّجاهها.
ولذلك، فإنّ النظرة إلى الدِّين على أنّه حركة تقييد للنفس وللذات، هي نظرة مجتزأة؛ لأنّها لا تقيس المسألة على أساس المنطلقات التي يرتكز عليها الدِّين نفسه؛ لأنّ هذه المنطلقات تمثّل منظومة متكاملة، تبدأ من التوحيد الذي يضبط حركة الإنسان في الحياة حتّى في أدقّ تفاصيل حياته. أمّا قياس مسألة الحرّية في الإسلام على أساس فلسفة الحضارة الغربيّة، التي تمجّد الفرد والجسد وتغرق في المادّة، فهو قياسٌ خاطئ؛ لأنّه قياسٌ مع الفارق في المنطلقات والرؤية؛ والله من وراء القصد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق