28 مارس 2009

فضل الله لدى استقباله وفداً إيرانياً:
لقد غرقنا في مشاكل التاريخ ونسينا مسؤولياتنا في الحاضر والمستقبل

استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وفداً إيرانياً ضمّ الأمين العام لمجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية، الشيخ محمد علي التسخيري، وأمين عام المجمع العالمي لأهل البيت، الشيخ محمد حسن أختري، والسفير الإيراني في لبنان، محمد رضا شيباني، وقد رافق الوفد رئيس رابطة علماء العراق، الشيخ خالد الملاّ، والمستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيروت، السيد محمد حسن رئيس زاده، ورئيس جمعية الإمام الصادق.
وجرى في خلال اللقاء بحث في عدد من الأوضاع والشؤون الإسلامية الراهنة، والأفق الذي تطل عليه مسيرة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وخصوصاً في ظل المساعي التي تقودها إدارات غربية تتعاون مع الصهيونية العالمية لإحداث شرخ في الساحة الإسلامية، ومنع المسلمين من تحقيق وحدتهم وتضامنهم مع قضاياهم الفكرية والعقيدية والسياسية وغيرها.
وشكر الشيخ التسخيري لسماحة السيد فضل الله مواقفه الداعمة لحركة الوحدة الإسلامية، وسعيه الدائم لإحداث نقلة نوعية في العلاقات بين السنة والشيعة، وخصوصاً بين العلماء... كما قدّر مواقفه الداعمة للمقاومة والمساندة لقضايا الحق في المنطقة في مواجهة الهجمة الأمريكية والإسرائيلية التي تستهدف إيران وقوى الممانعة.
وتحدث سماحة السيد فضل الله، فأشار إلى أن الإسلام يمثل ثروة ثقافية وحضارية، ولكن المشكلة تكمن في فهم هذه الثروة واستيعابها، ثم في تقديمها إلى العالم بالطريقة الحضارية المشرقة، لا على أساس الأساليب التقليدية، لأننا نعلم أن لكل عصر أساليبه وذهنياته، والمشكلة تكمن في أننا غالباً ما نتحدث مع الناس وفق ذهنياتنا الخاصة من دون أن نتعامل معهم على أساس ذهنياتهم وعقولهم، ولذلك كنت أقول إن على الداعية أن يمتلك حسّ المعاصرة، والذي أسميه "شمّ العصر"، لأن شمّ الوردة يعطيك فكرة عن الورد أكثر مما لو قرأت خمسين قصيدة تتحدث عن العطور والورود.. ومعنى أن نشم العصر، أن نتعرف إلى تطلعاته واستراتيجيته، حتى نستطيع الدخول إلى العالم من أبوابه الواسعة.
أضاف: لقد استطاعوا أن يشغلونا وأن يستهلكوا حركتنا بالعصبية السنية الشيعية... وأعتقد أنهم سيعملون على استهلاك حركتنا بالعصبية العرقية والقومية مجدداً... لقد جعلونا نستحضر التاريخ بكل سلبياته، وننسى إيجابياته، والأخطر من ذلك كله، أنهم جعلونا نجمد أمام حركة التاريخ، لننسى مسؤولياتنا وواجباتنا أمام الحاضر والمستقبل.
وشدّد سماحته على ضرورة تطوير الحركة الثقافية، وأن لا تقتصر الأمور في عالم المعممين وغيرهم على استهلاك السياسة بأساليبها التقليدية التي نضيف فيها شكلاً جديداً من أشكال الحركة في الميدان السياسي من دون أن نضيف إليها أي مضمون، وخصوصاً أننا أبعدنا الثقافة في مضمونها القيمي عن السياسة في حركتها الميدانية وتطلعاتها الاستراتيجية، فدخلنا في الاستهلاك والانفعالية السياسية التي لا نحصد فيها إلا نتائج عشوائية وسلبية، دون أن نقدّم نموذجاً صالحاً لمن نعيش معهم، وللأجيال القادمة.
كما شدد سماحة السيد فضل الله على أهمية اللقاءات الأخيرة التي حصلت بين المسؤولين الإيرانيين وبعض القيادات العربية، داعياً إلى تعميق العلاقات العربية ـ الإيرانية على قاعدة حسن الجوار، وطبقاً للقواعد الإسلامية في مسألة الاحترام والمصالح المتبادلة، والانفتاح على قضايا الأمة الكبرى، وخصوصاً القضية الفلسطينية التي دخلت في مرحلة جديدة وصعبة، تحتاج فيها إلى تضافر جهود الجميع لدعم الشعب الفلسطيني الذي يواجه أخطار التهجير والإبعاد والتوطين، إضافة إلى التنكيل والقتل والمجازر والاعتقال في أرضه.



مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 28-3-1430 الموافق: 25/03/2009
استقبل شخصيات بحرانية وعراقية
فضل الله: الساحة البحرينية تحتاجإلى مصارحة سياسية تعيد بناء الثقة الداخلية


استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وفداً من جمعية الوفاق البحرينية، ضمّ نائب أمين عام الجمعية، الشيخ حسين الديهي، وعضو الأمانة العامة في الجمعية والنائب في البرلمان البحريني، الشيخ حسن سلطاني.
وجرى في خلال اللقاء بحث للوضع في البحرين، وسبل توحيد الصف البحريني الداخلي، كما عرض الوفد لسماحته عمل جمعية الوفاق في ظلّ التطورات الأخيرة على الساحة البحرينية.
وشدد سماحة السيد فضل الله على حاجة البحرين إلى إطلاق ورشة حوار داخلية على مختلف المستويات، سواء فيما يتعلق بعلاقات الجهات السياسية والشيعية فيما بينها، أو بعلاقة الشعب مع السلطات، لأجل ضمان تماسك الوضع الداخلي، مع الحرص على الوحدة الإسلامية ونبذ أساليب العنف، مؤكداً الحاجة إلى التعقل والحكمة وعدم الانفعال، ونبذ العصبية بصرف النظر عن الجهات التي تتحرك في خطها، مؤكداً ضرورة أن تراعي الحكومة وضع الشعب، وتحرص على احتضانه وحمايته ورعاية شؤونه في نطاق مسؤوليتها العامة. كما شدد سماحته على أن الوضع البحريني يحتاج إلى الدخول في مصارحات سياسية واسعة، تعيد إنتاج الثقة بين الأطراف كافة، وتفضي إلى نزع فتائل الخلافات التي انطلقت من هواجس سياسية وتوترات ميدانية، وتؤدي إلى إطلاق سراح المعتقلين وصوغ المسألة السياسية على أرضية من التفاهم الذي لا يغمط حقوق أي طرف، ولا يدفع إلى استنزاف الساحة بالخلافات والتوترات والمضايقات.
وكان سماحة السيد فضل الله استقبل عضو لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس النواب البحريني، النائب الدكتور جاسم حسين والإعلامي البحريني، حيدر محمد، حيث شدد سماحته على ضرورة تحصين الوحدة الوطنية في البحرين وتعزيز روح التقارب والحوار بين مختلف مكونات الشعب البحريني.
وأشار سماحته إلى ضرورة أن تُدار العملية السياسية لكل الأطراف من واقع المسؤولية التي تكفل العدالة والمساواة وفي الوقت نفسه تحافظ على الأمن والسلم الأهلي، وتخلق المناخات الإيجابية لكل المبادرات الوطنية الهادفة إلى تقريب وجهات النظر.
ودعا سماحة السيد فضل الله إلى التركيز على الأسلوب السلمي في كل الأحوال، وتعميق جسور الثقة بين جميع مكونات المجتمع، وشدد سماحته على نبذ أية تصرفات أو أفعال من أية جهة كانت من شأنها أن تهدف إلى إثارة عوامل التفرقة المذهبية والطائفية المقيتة.
وأكد سماحته أهمية إدارة حوار سياسي وثقافي وفكري في عدد من الأمور المطروحة على الساحة البحرينية في شكل خاص، وكذلك الأساليب التي تُدار فيها العملية السياسية لإيجاد أرضية للوحدة من خلال الاتفاق على القواسم المشتركة.
من جانبهما، أعرب كل من النائب الدكتور جاسم حسين والإعلامي حيدر محمد عن تقديرهما للجهود الكبيرة والاستثنائية والمستمرة التي يبذلها سماحة المرجع فضل الله في تكريس الوحدة الإسلامية وتعزيز قدرة الأمة على خلق واقع جديد تتمتع فيه الشعب بعوامل المنعة والعزة والمقاومة في كل المواقع وعلى المستويات كافة.
واستقبل سماحته النائب في البرلمان العراقي وأمين عام الاتحاد الإسلامي التركماني، عباس البيّاتي، حيث جرى عرض لتطورات الأوضاع الأخيرة في العراق.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 22-3-1430 الموافق: 19/03/2009
استقبل وزير الإسكان الإيراني
فضل الله: مرحلة المساومات الدولية على ملفات المنطقة ستبدأ قريباً

استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وزير الإسكان الإيراني، ورئيس اللجنة الاقتصادية اللبنانية ـ الإيرانية المشتركة، محمد سعيدي، يرافقه السفير الإيراني في لبنان محمد رضا شيباني، حيث جرى عرضٌ للأوضاع العامة في المنطقة، والعلاقات الثنائية بين إيران ولبنان، وعمل اللجنة الاقتصادية المشتركة.
وقال الوزير الإيراني: أشكر الله على ما أتاحه لي من فرصة لزيارة لبنان، والتشرف بزيارة صاحب السماحة السيد فضل الله، الذي اعتدنا الاستماع إلى مواقفه الحكيمة والرشيدة، وقد استمعت إلى تحليلاته وشروحاته الهامة، والتي تتطابق تماماً مع ما نعتقده ونشعر به، وخصوصاً لجهة الوضع في المنطقة، وما نراه من مواقف أميركية وأوروبية تجاه إيران. وأمِلَ الوزير الإيراني أن يحظى لبنان بالمزيد من الأمن والاستقرار، وأن تمر مرحلة الانتخابات النيابية اللبنانية بهدوء يُجسّد الاستقرار السياسي اللبناني.
من جهته، شكر سماحة السيد فضل الله الجمهورية الإسلامية في إيران على دورها في إعادة إعمار لبنان في أعقاب العدوان الإسرائيلي عليه في تموز من العام2006، مشدداً على ضرورة قيام الدول العربية والإسلامية بمسؤولياتها لاستكمال مسيرة الاعمار في ظل المشاكل المالية والاقتصادية التي يعاني لبنان منها، داعياً إلى تعزيز العلاقات اللبنانية ـ الإيرانية على مختلف المستويات، مشيداً بالدعم الذي تقدمه إيران إلى القضية الفلسطينية، متمنياً استكمال هذا الدعم، وخصوصاً أن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة هي من أخطر المراحل التي تواجهها... داعياً إلى قيام مؤسسة عربية إسلامية تدعم الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة منذ العام1948، وفي القدس الشريف، في ظل مشاريع التهديد الإسرائيلية الخطيرة والمتواصلة على مختلف المستويات.
ورأى سماحته أن على إيران والدول العربية العمل على صوغ علاقات متينة وقوية في مواجهة الدعوات الخطيرة التي تحاول وضع إيران في مواجهة العرب، والنظر إليها كخطر استراتيجي يتهددهم، وتناسي الخطر الإسرائيلي الذي يمثل تهديداً استراتيجياً للعرب والمنطقة وللأمن العالمي.
ورأى سماحته أن المنطقة تمر بمرحلة صعبة لم تتبلور معالمها إلى الآن، وقد تتصاعد فيها الضغوط على دول الممانعة إلى جانب إغراءات جديدة، متوقعاً أن تبدأ مرحلة المساومات الدولية حول بعض الملفات الإقليمية في الأشهر القادمة، الأمر الذي يستدعي تماسكاً على المستوى العربي والإسلامي، ووحدة لحساب قضايا الأمة، وعدم الاستغراق في القضايا الذاتية والشخصية.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 14-3-1430 الموافق: 11/03/2009
فضل الله: أميركا والحلف الأطلسي لم يستبدلوا استراتيجية الدمار بالحديث والحوار


أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً تناول فيه آفاق المرحلة المُقبلة في مسألتي التفاوض والحوار في ضوء المبادرات الأميركية، وقد جاء فيه:
مع بدء الإدارة الأميركية الجديدة مسيرتها السياسية، وسعيها الجدي للخروج من كابوس الأزمة المالية التي أصابت الولايات المتحدة الأميركية والنظام الرأسمالي، والتي انعكست على الاقتصاد العالمي بطريقة وأخرى، تدخل المنطقة العربية والإسلامية في مرحلة جديدة تتلقى فيها بعض العروض التي يصاحبها تهديدات وضغوط تنذر بأن الميل إلى رفض عروض التسوية بشروطها الجديدة، سيقود إلى مرحلة أشدّ صعوبةً على الواقع العربي والإسلامي بعامة، وعلى الواقع الفلسطيني بخاصة.
ومع أن الجميع يعرف أن الخروج من عنق الزجاجة الاقتصادي والسياسي الذي تسببت به الأزمة المالية العالمية ليس في متناول اليد بالنسبة إلى الأميركيين، وبالتالي فإن نزوع الإدارة الجديدة نحو الحروب أو المغامرات السياسية السلبية سوف تكون له انعكاساته القاتلة على الولايات المتحدة الأميركية قبل غيرها، وهو الأمر الذي قد يدفع باتجاه الجمود في التوصل إلى حلول لمعظم المشاكل في المنطقة... إلا أنّ الزيارات الأخيرة للمسؤولين الأميركيين، وما رافقها من تصريحات تحمل عناوين الإغراء والتهديد لدول الممانعة وحركات المقاومة، كما تحمل إشارات توحي باستئناف العملية التفاوضية على أكثر من محور من محاور المنطقة، أتاحت المجال أكثر لفهم عمق الموقف الأميركي الذي يعوّل على الحركة الظاهرية للأمور، وإطلاق عجلة التفاوض شكلياً من دون تغيير في نمطية الأهداف الأميركية المنسجمة مع التوجه الإسرائيلي الذي ستكرّسه الحكومة الصهيونية القادمة في إغراء العرب بالمزيد من الكلمات، والإفساح في المجال للتفاوض على عناوين واهية، في الوقت الذي يأكل الاستيطان ما تبقى من الأرض الفلسطينية، إلى أن يتغير الأمر الواقع كليّاً على الأرض.
إننا نعتقد أن السنتين القادمتين ستكونان في غاية الخطورة إن لم تتحرّك فيهما مبادرات عربية وإسلامية جدية لترتيب البيت العربي والإسلامي من الداخل، وفق أسسٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ ثابتة وواقعية، لأنه يُراد للواقع العربي والإسلامي أن ينام فيهما على حرير أحلام غير واقعية، وأن يعيش حالاً تخديرية ريثما تستطيع أميركا وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي الخروج من الكبوة الاقتصادية، ومن التأثيرات المدمّرة لحروب بوش في المنطقة، لتستأنف أميركا الإسرائيلية وإسرائيل الأميركية هجمتهما المبرمجة على المواقع الحيوية في الساحتين العربية والإسلامية.
ولعل ما يبعث على الأسى والأسف أكثر، أنّ قوى الهيمنة العالمية التي تعاني مشاكل اقتصادية، وآثار الهزيمة التي أصيبت بها في أكثر من موقع في المنطقة، تحاول الإيحاء إلى العرب والمسلمين أن لا سبيل لهم للخروج من دائرة الضغط السياسي وربما الأمني، حتى في الوقت الذي يعيش الغرب أزماته الكبرى، وقد برز ذلك بشكل واضح من خلال قرار المحكمة الجنائية الدولية حيال السودان ورئيسه، بمفاعيله السياسية والأمنية المؤهّلة للتصاعد في المراحل المقبلة.
إن على الواقع العربي والإسلامي أن لا ينخدع أكثر بالوهم القائل إن الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها في الحلف الأطلسي استبدلوا استراتيجية الحرب والدمار باستراتيجية الحديث والحوار، لأنه يُراد للحوار الذي تقوده بعض الدوائر الغربية في المنطقة، أن يكون جزءاً من الضغوط التي استنزفتها الحروب الماضية، أو أن يملأ الفراغ السياسي الحاصل ـ بفعل عوامل عالمية ومحلية ـ بسلسلة من التحركات الظاهرية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
ونحن في الوقت عينه، نحذّر من أن الخطّة النهائية التي تعمل عليها الأوساط الغربية المعادية، بالتعاون مع كيان العدّو، تستهدف الجمهورية الإسلامية في إيران، وضرب أسس العلاقة بينها وبين العرب، كما تستهدف قوى المقاومة التي قد تتحرك بعض الدوائر الغربية لإدارة أشكال معيّنة من الحوار معها لأهداف ترويضية أو تجميلية، ولكنها في نهاية المطاف تسعى لإقناعها بسلوك المسار المغاير الذي يمثل انقلاباً على قضايا الأمة وحقوقها وثوابتها.
كما نحذر من أنَّ الخطة ترمي إلى محاكاة ما سعت إليه إدارة بوش، وما تحدّث عنه جون كيري بعد زيارته الأخيرة إلى المنطقة، من أن "الدول العربية المعتدلة تتعاون مع إسرائيل بأشكال لم يكن ممكناً تخيّلها قبل سنوات معدودة"، ليصار إلى تفعيل خطوط التطبيع على هذا الخط بحجة أن التطبيع لا بدّ من أن يسبق السلام، وليكون من ثمرات هذا التطبيع أن يتوحّد العرب تحت لواء التفاوض، لا ليكون الهدف استعادة فلسطين، بل الانخراط في معركة جديدة مع عدوّ جديد يُراد إيهام الأمة به تحت عنوان التحذير من الخطر الفارسي القادم على المنطقة لاستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، وهو ما بدأت تمهّد له وسائل إعلامية عربية بطريقة عجيبة غريبة، كما مهّدت له خطوات سياسية رسمية في الآونة الأخيرة، أوحت بأن العرب ـ في بعض نماذجهم ـ حاضرون للمغامرة والمقامرة بالعلاقة مع أهمّ أصدقائهم وحلفائهم، وأبرز الداعمين لقضاياهم، ولكنهم لن يرضوا بسحب مبادراتهم التي تبقي على خطوط العلاقة المباشرة وغير المباشرة مع كيان العدو.
إننا ندعو المعنيين في الواقع العربي والإسلامي، وخصوصاً أولئك الذين ينشطون على خطّي العلاقة العربية ـ العربية، والعربية ـ الإسلامية، إلى سعي جدي لوضع خريطة طريق عربية إسلامية لحساب الأمة وقضاياها، وخصوصاً القضية الفلسطينية، في مواجهة ما يسعى له الآخرون من وضع لخريطة طريق إقليمية تقود إلى النزول عند الشروط الإسرائيلية الأميركية الساعية لنسف القضية الفلسطينية واستبدالها بعلاقات تطبيعية بين العرب وإسرائيل تتيح لها استباحة ما تبقى من مواقع أمنية وسياسية واقتصادية محصّنة في العالم العربي والإسلامي.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 25-3-1430 هـ الموافق: 22/03/2009 م
في معرض رده على استفتاءات حول عملية شراء الذمم في الانتخابات
فضل الله يُحرّم المال الانتخابي على الدافع والآخذ




أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً أجاب فيه عن سلسلة من الاستفتاءات حول المال الانتخابي، والموقف الشرعي من هذا المال، سواء بالنسبة إلى الجهة التي تقدم المال أو بالنسبة إلى من يأخذه، وجاء في رد سماحته:
إنّه لمن المؤسف أن يُصبح الحديث عن المال الانتخابي الذي يشتري الذمم والضمائر أمراً لا يثير أيّة مشكلة في لبنان، لا في الوسط السياسي ولا في الوسط الديني ـ مع الأسف ـ حتّى ليكاد المرء أن يصنّف المال الانتخابي ضمن الأعراف الاجتماعيّة والسياسيّة اللبنانيّة التي تغدو أقدس من القانون نفسه.
وإنّنا إذ نعتبر هذا الأمر انعكاساً طبيعيّاً لأزمة القيم والأخلاق في الحياة السياسيّة بعامة، وجزءاً من غياب حسّ المسؤوليّة في إدارة شؤون البلد لدى كثير من الجهات والأحزاب والتيّارات، نشير إلى أمور عدّة، إلقاءً للحجّة، ورفعاً للمسؤوليّة التي حمّلنا الله والنّاس إيّاها تجاه حاضرهم ومستقبلهم:
أوّلاً: إنّ من يضع نفسه في مواقع القيادة لهذا الشعب، يتحمّل مسؤوليّة الارتفاع بمستوى الناس إلى أن يستطيعوا أن يحتكموا في اختيارهم لممثّليهم إلى معايير واضحة تنسجم مع متطلّبات الموقع التمثيلي وشروطه، بما ينعكس ـ تالياً ـ ارتقاءً للبلد ليعتمد على معايير الكفاءة والأمانة في إدارة شؤونه. أمّا أن تعمد القيادات إلى إفساد الذهنيّة العامّة للناس، والانخفاض بمستواهم القيمي والحضاري، عبر تعويدهم على الاحتكام إلى معايير من يدفع المال أكثر، ومن يقدّم المعونات أكثر، فهذا يمثّل خيانةً للمسؤوليّة، ويُدخل الشعب في بازار العرض والطلب على المواقف والخيارات المصيريّة، ليُفتح البابُ على مصراعيه أمام استلابٍ كاملٍ للإرادة الوطنيّة أمام قوى طاغية ومستكبرة لتستغلّ الشعب لحساب مصالحها، سواء أكانت محلّية أم إقليمية أم دوليّة.
إنّ هذا المنهج لا يحترم فيه القادة شعوبهم ولا جماعاتهم، وهو منهج الطواغيت والفراعنة الذي تحدّث عنه القرآن الكريم في قوله تعالى ـ حكاية عن فرعون ـ: {فاستخفّ قومَه فأطاعوه} [الزخرف:54]، مع كلّ ما يعنيه استخفاف الشعب من طلب الخفّة الفكريّة والأخلاقيّة لهم في مقاربة قضاياهم الحيويّة.
ثانياً: إنّه بالدرجة نفسها التي يتحمّل فيها القادة المسؤوليّة عن انحراف الذهنيّة العامّة للمجتمع، فإنّ المجتمع نفسه مسؤولٌ عن حماية نفسه من كلّ أولئك اللصوص الذين يسرقون مستقبله كما يسرقون حاضره، ويسلبونه عزّته وكرامته، ليختزلوه بشهوة المال، أو غريزة العصبيّة، بما يؤدّي إلى ارتهان مستقبل الأجيال للمطامع الشخصيّة أو الفئويّة التي تختصر البلد في حساب مصالحها، وتنحرف في حركتها لحساب أطماعها ومواقعها.
ثالثاً: إنّ أشدّ ما يؤلم النفس، أن نجد الشعب نفسه أصبح يستجدي حقوقه على أبواب السياسيّين الذين إنّما هم في مواقعهم لأجل خدمة هذا الشعب والسهر على إيصال حقوقه إليه بكلّ عزّة وكرامة، دون منّة منهم، وأصبح الناس يرون في ما يتحرّك في المواسم الانتخابيّة، عبر هذا الوزير أو النائب أو الزعيم، صدقةً يمنّ بها هذا أو ذاك على قراهم ومدنهم، في الوقت الذي ينبغي على الشعب أن لا يسحق إرادته لهؤلاء تحت وطأة "الجميل" الذي يُردُّ في صناديق الاقتراع؛ خوفاً من أن يكون الحرمان والفقر هو مصير "نكران الجميل".
ونحن نرى في أي تأخير للمشاريع المتصلة بحركة الناس وأوضاعهم الحياتية والاجتماعية والاقتصادية، وأي رهن لها بحركة الانتخابات، خيانةً للمسؤولية، وفساداً سياسياً، وطغياناً وظلماً ينبغي أن يحاسب المسؤولون عنه، لتتم ملاحقتهم قضائياً وكشف تلاعبهم وتأخيرهم للمشاريع أمام الناس.
إنّ على الشعب أن يعتزّ بنفسه، وأن يعتبر أنّه هو الذي ينبغي أن يحاسب الذين يهضمون حقوقه، ولا يعيشون المسؤوليّة في إدارة الشأن العام، ليحرمهم من مواقعهم في زمن الاقتراع؛ فإنّه ليس ثمّة ما يعوّض الإنسان عن كرامته وعزّته إذا أذلّ نفسه؛ وقد ورد عن الإمام جعفر الصادق (ع) قوله: "إنّ الله فوّض إلى المؤمن أموره كلّها ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلاً"؛ وذلك في تفسيره لقوله تعالى: {ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين} [المنافقون:8].
رابعاً: إزاء كلّ ذلك، فإنّنا من موقعنا الشرعي، نحرّم كلّ عمليّة لشراء الذمم، ممّا بات يُصطلح عليه بالمال الانتخابي أو السياسي؛ وكما يحرُم على الدافع يحرُم كذلك على الآخذ؛ فإنّ الله تعالى لم يجعل رزق الإنسان ببيع مواقفه، ولا بإفساد ذهنيّته، ولا بسنّ سنّة سيّئة في تربية الأجيال؛ وإنّما موقفُه وصوته الانتخابيّ أمانةٌ من الله في عنق الإنسان ليحرّكه في الخطّ الذي يرضاه الله سبحانه، وسيحاسَبُ عليه يوم القيامة؛ لأنّ الإنسان مسؤولٌ عن الصلاح والإصلاح في حياته وحياة الناس. وليس لأحد أن يستصغر موقفه؛ فإنّ المنتخِبَ شريكٌ للنائب في كلّ مواقفه، السياسيّة منها والتشريعيّة؛ لأنّ صوته جزءٌ من اكتساب هذا النائب شرعيّة النيابة.
وأخيراً، إنّنا نؤكّد ضرورة أن تقوم الدولة بواجباتها تجاه مواطنيها، وأن لا تفرض على الشعب الجوع والحرمان في سياساتها ليسهُل بعد ذلك استغلاله من قبل المستغلّين، ونهيب بكلّ القيادات الدينيّة التي من أولى مسؤوليّاتها حماية الإنسان من نوازع الشرّ والانحراف عن جادّة الاستقامة في حركته ومواقفه، أن تقوم بمسؤوليّاتها في توجيه الناس إلى القيم الحقّة التي أتت بها الأديان ونزلت بها الشرائع، وأوّلها قيم الصدق والأمانة والإخلاص والعدالة، ليكون موقفهم الانتخابي أو التأييدي منطلقاً من قاعدةٍ يرضى عنها الله، وترفع من مستوى المجتمع، وتصون مستقبله من أن يعبث به العابثون، وتحفظ كرامته من أن تسحقها العصبيّات المتنوّعة. والله نسأل أن يحمي لبنان من شرّ الشياطين الصغار والكبار؛ ليكون لهذا الشعب ارتقاء جباله نحو السماء، في كلّ ما تنفتح عليه السماء من قيمٍ نقيّة طاهرة، تستحقّ أن يجسّدها الإنسان على الأرض؛ ليكون إنسان الله الذي يعيش روح الله في خطواته على الأرض.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 19-3-1430 هـ الموافق: 16/03/2009 م
فضل الله يدعو إلى قوة ردعية عربية إسلامية تقطع الطريق على مغامرات إسرائيلية قادمة

أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً تناول فيه أفق العلاقات العربية ـ الإيرانية، وقد جاء فيه:
يدخل العالم في هذه الأيام في حال من الاستنفار الناشئة من التهويلات الإسرائيلية حيال المشروع النووي الإيراني، وتضخيم ما يسمونه الخطر الإيراني، وقد برز ذلك في شكل جلي وواضح في الدعوات الإسرائيلية الأخيرة، والتي أطلقها وزير حرب العدو، وشدّد فيها على دعوة العالم كله إلى "موقف ملموس" تجاه إيران، إلى جانب تلويحه بالخيار العسكري ودعوته الإدارة الأميركية الجديدة إلى عدم إزاحة أي خيار عن الطاولة...
وإذا كان كيان العدو يتعاطى مع الجمهورية الإسلامية في إيران كخطر أساس، ويشير إلى أنها ـ ومن خلال عناصر القوة فيها ـ تحولت إلى "خطر وجودي جوهري"، فإن ما يبعث على الأسى والأسف، أن ينخرط البعض في العالم العربي في هذه اللعبة على المستويات الإعلامية والسياسية، ليتحدث تارةً عن "الخطر الإيراني" على المنطقة، أو ليشير تارةً أخرى إلى أن هذا الخطر لا يقل خطورة عن العدو، وليدخل ذلك كله في نطاق حملة مبرمجة عنوانها العمل على إخراج الوضع العربي من دائرة الخطر، واستلاب الدور.
ونحن في الوقت الذي لا نشعر بالارتياح حيال بعض المواقف الملتبسة التي قد تساهم في تعكير صفو العلاقات بين الجمهورية الإسلامية والبلدان العربية، والمنطلقة بمجملها من غير قصد، ومن دون مراعاة للتعقيدات الكامنة وراء التخطيط الإسرائيلي، ووراء لعبة العدو الساعية لإقناع بعض المواقع المتوترة في العالم العربي بأن المشكلة تكمن في إيران وطموحاتها الإمبراطورية، وغيرها من الكلمات والألاعيب... نرى أن التطورات المتسارعة في العالم باتت تستدعي القيام بخطوات واسعة النطاق في مسألة العلاقات العربية ـ الإيرانية، حتى تدخل هذه العلاقات في مرحلة الوضوح التام بعد جملة الالتباسات والتعقيدات التي مرّت بها في العقود الثلاثة المنصرمة، وفي السنوات الأخيرة على وجه التحديد، لتكون التطورات العالمية الأخيرة حافزاً أساسياً في مسيرة تصحيح هذه العلاقات، إضافة إلى الخطر الصهيوني الذي يهدد الجميع، ولا سيما في أعقاب الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي أفرزت فريقاً يمينياً يتطلع إلى إدارة الوضع في المنطقة من زاوية الحرب التي بدأ يرسم معالمها وخطوطها قبل أن يستقر على كرسي الحكم، حيث تتطلع كل حكومة من حكومات العدو إلى تكريس وجودها وسمعتها من خلال الحرب التي تشنها ضد العرب والمسلمين.
إننا نستمع في هذه الأيام إلى دعوات تنطلق من خارج الدائرة العربية والإسلامية، إلى الدخول في حوار مع إيران، وإلى حديث أميركي عن حوار قادم مع الجمهورية الإسلامية، ونحن نعرف الدوافع والكوامن التي ستطلق هذا الحوار، والتي تأخذ في الاعتبار مصالح الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة وهواجس إسرائيل، ولذلك فإننا نرى في حوار إيراني ـ عربي مدروس وموضوعي، ما يمثل الأولوية القصوى للقضية العربية والإسلامية العامة، ويمكن لهذا الحوار أن يبدد الهواجس المفتعلة التي يطلقها العدو وتنخرط فيها بعض المؤسسات الإعلامية والسياسية العربية بطريقة مستغربة، ويبدو أن بعض أهدافها بدأت بالظهور في صفقات الأسلحة التي يراد للعرب أن يدخلوا فيها مجدداً ليخففوا الوطأة الاقتصادية عن كاهل بعض الأنظمة الغربية، وليفسحوا في المجال أكثر أمام سياسة الاحتواء التي بدأ الأميركيون يتحدثون عنها كحلٍّ مرحلي لمحاصرة طموحات إيران، كما تحدثوا في السابق عن ضرورة التأسيس لسباق تسلح يخلط الأوراق لمصلحة الولايات المتحدة ومعسكر الاستكبار، كما حصل في المنظومة السوفياتية سابقاً.
إننا ندعو العرب والمسلمين جميعاً إلى التفكير ملياً في كلام العدو خلال العدوان على غزة، والذي أكد فيه أن كل الأساليب متاحة أمام إسرائيل لشن عدوان شامل ساعة تشاء، ولإسقاط كل القوانين الدولية واستباحة كل الشرائع، واستهداف كل الأمكنة بما فيها المواقع التربوية والدينية، وحتى مراكز الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، بما يوحي بأن العالم العربي والإسلامي سيكون مباحاً بكامله أمام أية مغامرة إسرائيلية جديدة تحمل عنوان الدفاع عن أمن الكيان الصهيوني، وتستهدف إبقاء العرب والمسلمين في دائرة الضعف والاستهداف، وهو الأمر الذي يستدعي العمل على قيام قوة ردعية عربية وإسلامية تمنع العدو من القيام بحروب جديدة، لأنه لا يكفي التعويل على حرص الإدارة الأميركية الجديدة على عدم الاندفاع نحو حروب أخرى لأسباب اقتصادية وغير اقتصادية، لأن إسرائيل المذعورة من جهوزية المقاومة اللبنانية والفلسطينية، والمسكونة بالدعم الأميركي والأوروبي لأية خطط جهنمية قد تتحرك فيها على مستوى المنطقة، قد تحاول حشر الولايات المتحدة الأميركية ومن يسير في فلكها في الزاوية للذهاب نحو خيارات طائشة قد تحرق المنطقة بكاملها.
إننا نعرف جيداً أن سبل استعادة النفوذ العربي لن تكون من خلال الانسياق في خيارات تعقيد العلاقة مع الجمهورية الإسلامية في إيران، أو النزوع نحو تسليط الأضواء الإعلامية والسياسية على التجربة الإيرانية بنتائجها العلمية التي بدأت تفرض نفسها على مستوى تحقيق عناصر القوة الرادعة في مواجهة العدو الإسرائيلي، وعناصر القوة العلمية الساعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في المجالات التصنيعية ومجالات الحصول على الخبرات والكوادر العلمية الذاتية، بل إن التجارب السابقة، وتطورات الأوضاع المتلاحقة، ينبغي أن تدفع باتجاه التفاهم مع إيران للاستفادة مما وصلت إليه في هذه المجالات المختلفة، ولرسم الآفاق نحو سياسة عربية وإسلامية تفرض توازناً حقيقياً مع العدو يحتاجه حتى أولئك الذين لا يبصرون المنطقة إلا من نافذة المفاوضات، وقد قال الرئيس الإسرائيلي إنّ الذي دفع العرب إلى التفاوض وتحريك المبادرات هو قوة الجيش الإسرائيلي، ولا ندري هل يأتي الوقت الذي ينطلق فيه العرب لمخاطبة العدو من مواقع القوة التي يصنعونها لأنفسهم ولشعوبهم، أم أنهم يفضلون استجلاب المزيد من العداوات التي تجعلهم يستجدون السلام الذي لن يأتي من عدوهم التاريخي، الذي يمثل عدواً للإنسانية كلها، ولكل طلاب الحرية في العالم؟


مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 4-3-1430 هـ الموافق: 01/03/2009 م