30 يوليو 2008

استقبل الوزير السابق أزعور
فضل الله: مفهوم الدولة لا يزال ضبابي في لبنان
استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، الوزير السابق، جهاد أزعور، الذي زاره مطمئناً إلى صحته، وجرى عرضٌ للأوضاع العامة في البلد، وخصوصاً الوضعين، الاقتصادي والمعيشي، حيث قدم أزعور وجهة نظره عن كيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية وأزمة المديونية، مشيراً إلى صعوبة القيام بمعالجة جذرية للملف الاقتصادي بعيداً من الاستقرار السياسي ومن آلية جدية للمراقبة والمحاسبة.
من جهته، أكد سماحة السيد فضل الله أن المشكلة في لبنان تكمن في أن مفهوم الدولة لا يزال ضبابياً، ولا تزال الظروف السياسية إضافة إلى نظام المحاصصة تتحكم به، حيث لا نلتقي بحكومة أو سلطة تخاف من الشعب وتحسب حساباته، كما هو الأمر في البلدان الذي تحترم فيه الدول شعوبها.
وأشار سماحته إلى أن المسألة في البلدان الأخرى، التي يعمل فيها السياسيون والمسؤولون ضمن قاعدة سياسية وآلية محددة للحكم، تنطلق من احترام هؤلاء لشعوبهم وأحزابهم ومسارعتهم للاستقالة عند أي فشل يلتقون به، أما المسألة عندنا فإن الشعب يُدمن كل هؤلاء الذين أنتجوا الفشل، وانطلقوا من تجربة فاشلة إلى تجربة أخرى أكثر فشلاً، معتمدين على عناوين حزبية وطائفية ومذهبية تساهم في حمايتهم، وتبقيهم في الواجهة على حساب قضايا الناس ومصلحة الوطن.
وأكد سماحته أن ثمة تحوّل في المنطقة، ولكن المشكلة تكمن في أن الكثير من الشخصيات اللبنانية لا تزال تعيش حال من الجمود تبعدها عن قراءة الأوضاع في المنطقة بتبصّر ووعي، لترتيب أوضاعها وحركتها بما يخدم المصلحة اللبنانية العامة.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 26-7-1429 الموافق: 29/07/2008
استقبل السمّاك موفداً من سعد الحريري
فضل الله: أدعم أية خطوة تقرّب اللبنانيين وتوحّد السنّة والشيعة
استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، الأستاذ محمد السمّاك، موفداً من رئيس كتلة تيار المستقبل، سعد الحريري، حيث جرى عرضٌ للأوضاع العامة في لبنان والمنطقة، والخطوات التي تمّت في الآونة الأخيرة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء والسياسيين، والمساعي التي بُذلت لتوحيد الصف الإسلامي، وخصوصاً بين السنة والشيعة، وقد وضع الأستاذ السمّاك سماحته في أجواء زيارة النائب الحريري إلى العراق.
وشدد سماحة السيد فضل الله على أنه يدعم أية خطوة من شأنها أن تساهم في تقريب وجهات النظر بين الأفرقاء والسياسيين اللبنانيين، كما أنه يدعم أي مسعى يُساهم في توحيد المسلمين السنة والشيعة داخل لبنان وخارجه، مشيراً إلى أنه لا يزال يرى أولوية لوحدة الصف الإسلامي على سائر الأمور الأخرى، على أن تتحرك هذه الوحدة لرفد القضايا الوطنية والعربية والإسلامية العامة.
واعتبر سماحته أنّ هناك ضرورةً لتوسيع نطاق الخطوات ذات الطابع الوحدوي، بصرف النظر عن الظروف السياسية الراهنة، مشيراً إلى أن التحديات التي تواجه العرب والمسلمين تفرض عليهم أن يعملوا لحلّ خلافاتهم السياسية وتقريب وجهات النظر واعتماد الخطاب العقلاني الهادىء، وخصوصاً في لبنان، حيث نرى بأن الفرص لا تزال مهيأة للدخول في حوارات جادة تمهّد لمصالحات أكبر، وتعيد الخلاف السياسي إلى وضعه الطبيعي، بعيداً من الاحتقان المذهبي والتوتر السياسي والأمني الذي يربك وضع المواطنين اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 26-7-1429 الموافق: 29/07/2008

29 يوليو 2008

السيد فضل الله لمؤتمر الوحدة الإسلامية في لندن:
الحوار يمثل آليةً دائمةً للتواصل الإنساني في تبادل المخزونات الفكريةالتي تحقق الهدف الأمثل للإنسان

وجّه سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، رسالةً إلى مؤتمر الوحدة الإسلامية في لندن، جاء فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد...
إنّ الحوار في مضمونه الفكري، لا يُمكن أن ينظر إليه باعتباره جزءاً من الحركة السياسيّة أو الاجتماعيّة الآنيّة، بل يمثّل آليّةً دائمةً للتواصل الإنسانيّ، وهو ما أشار إليه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:13]. ولقد خصّ الله الإنسان من بين خلقه بهذه الميزة الفريدة، وهي ميزة التحادث والجدال، على قاعدة أن الغاية النهائية لمثل هذا النوع من تبادل المخزونات الإنسانية، هو تحقيق الهدف الأمثل للإنسان على الأرض، ألا وهو خلافة الله تعالى.
والحوار هنا يمثّل حركةً في التواضع العلميّ والثقافي، ويعكس الشعور بالحاجة الدائمة إلى تطوير العلم، على هدى قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114]، فلا يطغى الإنسان بالاستعلاء الفكري والثقافي، بل ينطلق دائماً من خلال ما ينتجه من خصوصيّته الفكريّة والثقافيّة، ليعرضه من خلال الحوار على فكر الآخرين وثقافتهم، كما يعرض فكر الآخرين وثقافتهم على ما أنتجه؛ ليكون الحوار آليّةً في تلاقح الأفكار وتطويرها، ووسيلةً من وسائل تنظيم حركة الخصوصيّات الفكريّة والثقافيّة في رحلة البحث عن الحقيقة، كما قال تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ:24].
ولعلّ المؤتمرات واللقاءات التي تُعقد تحت عناوين شتى، ومنها حوار الأديان، سواء الحوار ضمن الدين الواحد، أو الحوار مع الأديان الأخرى، لهو دليل على ما أصاب حركة هذه الأديان من مشاكل، وما يعترضها من عقبات، وما يعتور فهمها من عيوب، سواء فيما بين مذاهبها، أو فيما بينها بكامل بناءاتها العقيدية والفكرية. غير أنّه لا يُمكن أن يُكتفى بانعقاد مثل هذه المؤتمرات واللقاءات، لأنّها سوف تبقى محدودة النتائج إذا ما اقتصرت على التلاقي المجرّد من دون أن يصدر عنها برامج عمل، تنطلق من العمق في كلّ القضايا المطروحة في سبيل الوصول إلى نتائج تضع الحلول على طريقها الصحيح.
وإنّنا نرى أنّه لا بدّ من التوقّف عند عدّة نقاط قد تساعد في إدراك حجم التحدّيات التي تقف أمام أيّ حوارٍ إسلاميّ إسلاميّ، أو إسلاميّ دينيّ، وبالتالي إدراك طبيعة ما ينبغي التركيز عليه، حتّى تكون اللقاءات ذات طابع عمليّ، فلا تغرق في الخطابات أو المجاملات من دون أيّ نتيجة عمليّة، علماً أن ثمّة تحدّيات داخليّة وأموراً خارجيّة في هذا الإطار:
1ـ لقد نشأت المذاهب الإسلاميّة على أساس اجتهادات في فهم الإسلام، عقيدةً وشريعةً، وقد احتضنت تلك الفترة التاريخية كثيراً من الحوارات والمناقشات الفقهيّة والكلاميّة بنسبة ملحوظة من الانفتاح الفكري والثقافي. وإن إحدى مشاكلنا اليوم هي الجمود الفكري عن طريق سدّ باب الاجتهاد، واعتبار أن ما انتهت إليه عصور معيّنة هو أمرٌ نهائيّ على مستوى الإنتاج الفكري والعلمي، ما يجعل أيّ حوارٍ إسلاميّ مأخوذاً باجترار ما أنتجه الماضون ضمن ظروف الماضي، من دون أن ننطلق من ظروفنا لنتحرّك في إبداع الفكرة عبر حرّية الفكر والاجتهاد؛ وهذا ما يجعل التاريخ الذي يشتمل على كثير من التعقيدات يحضر بثقله في أيّ حوارٍ، وبالتالي تحضر كثير من العقبات التي قد لا تنتمي إلى الواقع المعاصر. ولذلك فالمطلوب أن يُترك العقل في حركته الفكريّة، ليُعيد إنتاج الفكر الإسلامي على ضوء ما يُمكن أن ينفتح عليه من تطوّر في حركيّة الاجتهاد، علماً أن هذا الأمر قد يشمل جميع المذاهب، ولا يقتصر على مذهبٍ دون آخر ولو بطريقة عمليّة.
2 ـ إنّ إعادة الاجتهاد إلى موقعه في الحركة التطوّرية للعلم، من شأنه أن يُساعد في تقريب وجهات النظر المختلفة، من إعادة أيّ حوارٍ في أيّ مسألة من المسائل إلى قاعدته الأصيلة، وهي الكتاب والسُنّة؛ ولاسيّما أنّ نظريّة عصمة أئمّة أهل البيت(ع) التي يأخذ بها المسلمون الشيعة، ونظريّة عدالة الصحابة التي يأخذ بها المسلمون السنّة، تتحرّكان في خطّ وثاقة إثبات السُنّة، ولا تتحرّكان لتنتجا سُنّةً جديدةً في عرضِ سُنّة النبيّ محمّد(ص). وهذا ما قد يضعنا على قاعدة تأسيسية لفقه إسلامي فوق المذهبي، يأخذ فيه الحوار المستند إلى قواعد واضحة حيّزاً مهمّاً قد يصل إلى نتائج مشتركة، ويضع أيّ خلافٍ في إطاره الطبيعي.
3 ـ نعتقد أنّ إحدى أخطر الظواهر التي تعصف بمجتمعنا اليوم، هي ظاهرة التكفير والتضليل والتفسيق، وما يستتبعها من أحكامٍ تُلصق بفئات أو جماعات أو مذاهب بأسرها. ولا بدّ من إدارة الحوار حول هذه الظاهرة في بُعدها الثقافي والفكري الذي قد ينطوي على مفاهيم خاطئة من جهة، وجمود في الاجتهاد من جهة أخرى، إلى جانب دارسة العوامل الأخرى المؤثّرة، وذلك بهدف وضع معايير واضحة للإسلام والكفر، وللإيمان والفسق والضلال وما إلى ذلك؛ فإنّ مثل هذه الظواهر لا تنعكس خطورتها على التقارب الإسلاميّ الداخلي فحسب، بل تعمل على تشويه صورة الإسلام وتصويره كدين عُنفٍ وإلغاء، لا دين رفقٍ وحوار.
4 ـ إنّ الحوار الإسلامي ـ الإسلامي قد يُساهم في الحدّ من ظاهرة الغلوّ التي لم يسلم منها مذهبٌ من المذاهب؛ لأنّ الانفتاح على الآخر قد يوجد آليّات توازن في النظرة إلى العقائد والأفكار التي يُنتجها أتباع هذا المذهب أو ذاك؛ حتّى ليُمكن القول إنّ الحوار قد يساهم في الحدّة من التطرّف والحساسيّة ممّا قد يكون موجوداً في داخل كلّ مذهب تجاه بعض عقائد المذهب الآخر وأفكاره، بما قد يفضي في نهاية المطاف إلى توازنٍ في النظرة، وتقاربٍ في النتائج.
5 ـ إنّ التقارب المذهبي في إطار كلّ بلدٍ أو قطرٍ إسلاميّ، من شأنه أن ينعكس تقارباً في معالجة كثير من المشاكل الداخليّة التي قد تخلقها السياسات المحلّية أو الإقليمية، وحتّى الدوليّة بين أبناء البلد الواحد، أو الدين الواحد؛ لإذكاء نار العصبيّة، بهدف استقرار السلطة من خلال مبدأ «فرّق تسُدْ». ولذلك قد نجد أنّ استمرار حال التشرذم بين المسلمين، لا ينعكس سلباً على أتباع مذهبٍ دون آخر، بل إنّ التحدّيات ومجريات الأحداث تتحرّك بعيداً عن مصلحة الجميع. وإنّ كثيراً من المشاكل والاختلافات التي تقع بين المسلمين، هي في أساسها مشاكل سياسيّة، يقوم حلّها على إيجاد معايير يتّفق عليها المسلمون جميعاً، ولكنّ اللاعبين الطائفيّين والسياسيّين يلعبون على كثير من التعقيدات التاريخيّة والحساسيّات الثقافيّة، لإضفاء بُعد عصبيّ على حركة الاختلاف، يغيب معه العقل، وتحضر معه الغريزة.
وقد بيّن لنا القرآن الكريم أن إحدى أهمّ سياسات الظالمين والمستكبرين هي إبقاء الشعوب في حال الإثارة الغرائزيّة، بعيداً عن موازين العقل ومعايير التقييم؛ كما حكى الله عن فرعون، قال تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف:54]. ولذلك فإنّ الشغل الشاغل للمسلمين، ينبغي أن يكون في تحريك الوعي تجاه كلّ التحدّيات الداخليّة والخارجيّة التي تعصف بهم، والتعرّف بكلّ أساليب السياسات الاستكباريّة، سواء كانت داخليّة أو خارجيّة؛ لأنّ الوعي هو الذي يُمكن أن يغلّب لغة العقل والمنطق على لغة الإثارة والانفعال.
6 ـ ثمّة قضايا كُبرى تشكّل تحدّياً وجوديّاً وفاعليّاً للمسلمين جميعاً، وفي مقدّمتها قضيّة فلسطين التي لا ينبغي النظر إليها كقضيّة سياسيّة فحسب، بل كقضيّة تتّصل بعمق القيمة الإسلاميّة، في مسألة العدل والظُلم، والحقّ والاغتصاب، ولاسيّما أن الحركة الاستكباريّة تجاهها تتحرّك في الخطّ الذي يدفع باتجاه التنازل عن الحقوق، وتشريع الظُلم، والقبول بمنطق الأمر الواقع تحت ضغطٍ من قوّة الخارج والاستسلام لضعف الداخل، وهذا ما من شأنه أن يؤسّس لمنهج ثقافيّ خطير في ذهنيّة الأمّة تجاه حاضرها، ويدفع باتجاه مزيدٍ من التدمير للواقع الإسلامي، وربّما باتجاه مزيدٍ من الاحتلالات التي لا تُبقي للمسلمين شيئاً. وقد رأينا كيف تحرّكت الاحتلالات المتنوّعة لبلاد المسلمين، من أفغانستان إلى العراق إلى غيرهما، تحت أكثر من عنوان، ولم يعد المسلمون قادرين حتّى على إعلان المواقف الكلاميّة، فضلاً عن الحركة التغييريّة.
7 ـ إنّ الإسلام اليوم يمرّ بأكثر المراحل حساسيّةً وخطورةً على مستوى الحرب الخارجيّة المعلنة بوضوح عليه، سواءٌ من خلال حركة التبشير، أو من خلال ضرب المقدّس الإسلامي؛ وهذا لا يمسّ مذهباً دون آخر، ولا فئةً بعينها؛ وهو الأمر الذي يتطلّب حملةً فكريّةً ثقافيّة، تنطلق من خلال الفعل، لا من خلال ردّ الفعل المحدود، فتعمل على إنتاج الفكرة الإسلاميّة التي تعرّف العالم كلّ القيم الإنسانيّة التي أتى بها الإسلام، وتُظهر للعالم قدرة الإسلام على حلّ كثير من مشكلاته، من خلال التزاوج بين المادّة والروح في حركة الإنسان في كلّ ميادين الحياة.
8 ـ أيضاً، لا بدّ من العمل على تأسيس جبهة إسلاميّة ودينية قيميّة، تُنزل القيمة إلى مفردات الواقع، ولا تبقيها في ضبابيّة الشعار والعنوان، وذلك في مواجهة كلّ حركات العالم المستكبر، الذي تتحرّك سياساته المتنوّعة من خلال اللاقيمة التي تصادر حرّية الشعوب وتنهب ثرواتها وتتحكّم بمصائرها، وهذا ما يصطدم، ليس بقيم الإسلام فحسب، بل بقيم كل الأديان، وهو ما يُمكن أن يؤسّس عليه لتقاربٍ قيميّ على المستوى الإسلامي في الدائرة الإسلاميّة، وعلى المستوى الديني في الدائرة الدينية، وعلى المستوى الإنساني في الدائرة الإنسانيّة، ويدفع بالعالم إلى التوازن أمام ما يتحرّك به جشع الإنسان وأطماعه وأحقاده وما إلى ذلك، فإنّ كثيراً ممّا شهدناه في الآونة الأخيرة من مشاكل في الاقتصاد العالمي، أو في السياسة العالميّة، يعود في جذوره إلى فقدان الإحساس الإنسانيّ، والاحتكام إلى قواعد سياسية واقتصاديّة تُبعد الإنسان عن إنسانيّته، وتجعله أقرب إلى الحيوانيّة التي لا تحكمها حتّى شريعة الغاب.
9 ـ إنَّ معظم الحضارات الإنسانية انبثقت من أحضان الأديان السماويّة، أو نمت في كنفها، وعندما تعاظم شأنها، سعت إلى إخضاع الأديان واستتباعها لسلطانها، فجرى توظيف الأديان في نصوصها لخدمة مصالح السلطان وسياساته، فاختلطت غايات الدين بغايات الدنيا، وبات التفريق بينهما حاجةً مُلِحّة، وترسيم الفواصل هدفاً يقتضي تخليص الدين من شِباك الدنيا، خصوصاً أن رجال الدين قد تفرقوا بين موالٍ للسلطان ومُعارض له، فانتشرت الفِتن وشاع الافتتان، وبات العمل على تصويب الانحرافات أمراً دونه مشقّات وتضحيات، وهذا الأمر لم يصب قوماً دون آخرين، ولم يختص به شعب دون آخر، ولا زمن وعصر دون عصر، ولعلّ ما نشهده اليوم من محاولات دؤوبة لإخضاع الأديان لسياسات السلطان، يدعو إلى استنفار كل الحريصين على نقاء الرسالات السماوية، للمبادرة إلى تحرير الأديان من براثن مستغليها، الذين يسعون لجعل الدين مادةً تشرّع عصبياتهم ومصالحهم، وحتى عدوانيتهم في أحيان كثيرة.
10 ـ ولا بدّ من أن ينطلق الحوار، أيّ حوارٍ، على أساس أن لا تكون لأي طرف مقدّساتُه التي لا ينبغي للطرف الآخر أن يمسّها أو يقترب منها، لأنّ الحوار المُنتج والجادّ هو الحوار الذي يتحرّك من دون حواجز مسبقة، وإنّما يتحرّك على هدى قوله تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]؛ وهذا هو الذي تحرّك به القُرآن، في تعامله مع القضايا التي كان يطرحها المشركون أو غيرهم، حيثُ تناول كلّ ما كان يصدُر من اتّهامات للنبيّ(ص)، في شخصه أو رسالته؛ بل أجاب عن التصوّرات الخاطئة والمسيئة التي تعلّقت بالله سبحانه وتعالى، بكلّ موضوعيّة، مع أنّ كلّ ذلك يدخل في المقدّس عند المسلمين جميعاً؛ فما بالُك بما دون ذلك من القضايا؟!
وربّما يجدر بنا هنا الدعوةُ إلى إبعاد مصطلح «المقدّس» من حركةِ الحوار؛ لأنّ هذا المفهوم ملتبسٌ في دلالاته، في حين أنّ المنطق العلميّ الذي أكّده القُرآن، وتحرّكت به الرسالات جميعاً، هو المنطق الذي يحرّك مصطلحات الحجّة والبُرهان والدليل.
11 ـ من خلال ما تقدّم، نرى أنّ الصراحة العلميّة ينبغي أن تأخذ مداها في جلسات الحوار الإسلاميّة، من دون حرجٍ في إثارة أيّ موضوع من المواضيع الخلافيّة، ضمن ترتيب الأولويّات التي لا يعيش معها الحوار غيبوبةً فكريّةً بالنسبة إلى الواقع، بل يتحرّك الواقع والفكر جنباً إلى جنبٍ، في سبيل أن يكون للحوار صداه في الواقع، وحركته الواقعيّة في ساحة الفكر.
12 ـ نعود لنؤكّد أنّ من الضروري الانتقال من الحوار المنطلق ممّا كتبه الماضون، من هذا المذهب أو ذاك، إلى الحوار بين المفكّرين الإسلاميّين الحاضرين؛ لأنّ كثيراً من الأفكار تجاه الآخر، فرضتها تعقيدات حركة التاريخ في الماضي، أو ذهنيّات الذين عاشوا فيه، ممّا بات الحاضر يختلف في نظرته الاجتهاديّة عمّا كان عليه؛ وفي هذا السياق نرى أنه لا قداسة لفكر الماضين مهما بلغ شأنُهم، وأنّ إبقاء الحوار في دائرة ما أنتجه الماضون لن يؤسّس لحركة حوار جادّة حيّة، بل يجعل الحوار يدخل في دائرة تسجيل النقاط من قبل كلّ فريق على الآخر، ويأخذ الحاضر إلى أجواء التاريخ، من دون أن يحمل ـ في عناصره التاريخية أو الاجتهادية ـ أيّ واقعيّة لذلك كلّه.
13 ـ الابتعاد عن حالات المناكفات، وتسجيل النقاط المذهبيّة لهذا الفريق أو ذاك على الآخر؛ وهذا ما يفترض دراسة الجدوى من التغطية الإعلاميّة لمفردات الحوار، والتي يمكن أن تحوّل الحوار إلى حالة إثارةٍ عصبيّة، تثير الشارع الإسلامي مذهبيّاً، بدلاً من أن تواكبه فكريّاً. وعلى هذا الأساس، يُصبح من البديهي، أنّ جدّية أيّ حوارٍ إسلاميّ ـ إسلاميّ، في العلاقة بينه وبين الشارع الإسلامي، تحدّدها مُنتجاتُ الحوار، لا حركته التي تحمل الكثير من عناصر الإثارة، مهما كانت موضوعيّةً وعلميّةً؛ لأنّنا نعرف أنّ حركة التعقيدات التي يُمكن أن تنفذ إلى الساحة الشعبيّة يُمكنها أن تعطّل أيّ حوار، مهما كان جادّاً.
14 ـ على أساس ما تقدّم، نرى أنّ من أهمّ عناصر فشل المؤتمرات الحواريّة السابقة، أو محدوديّة نتائجها في كسر الجليد المذهبي، أو تخفيف الاحتقان في صورة مؤقّتة، تتمثّل ـ بالإضافة إلى افتقارها المستوى الأعلى من الجدّية ـ في عدم نزول النتائج الإيجابيّة لتلك الحوارات إلى الشارع، بحيث يُعمل على تحويلها ـ من خلال آليّات التثقيف الشعبيّة ـ إلى ثقافة إسلاميّة جديدةٍ، تضع الاختلاف مع الآخر في إطار الاجتهاد ضمن الإسلام، لا مقابله.
ومن هنا، فإنّنا نرى أنّه لا يجوز أن تبقى الازدواجيّة في حركة الحوار الإسلامي ـ الإسلامي، بين القناعة التي تشكّلها المؤتمرات، والثقافة التي تنزل إلى المستوى الشعبي. وهذا ما يفترض أن يُعاد تقويم كلّ حالات التثقيف التي تُمارسها الطبقة الوسطى، بين القيادات الحواريّة الإسلاميّة والحالة الشعبيّة؛ لأنّنا قد نشعر بأنّ هناك بوناً شاسعاً بين نظرة تلك القيادات إلى الآخر في الإطار الإسلامي، وبين نظرة من يمارسون الوعظ والإرشاد ممّا لا يزال يخضع للتكفير والتضليل بناءً على أمورٍ باتت من مطويّات الزمن.
إنّنا نشعر بأهمّية وحساسيّة هذه النقطة بالذات، لأنّ أيّ حوارٍ على المستوى الإسلامي، لا يُمكن أن يؤسّس لنقلة نوعيّة، ما لم يشكّل الحوار مناخاً عامّاً، تنخرط فيه المستويات القياديّة بالمستويات الشعبيّة، لأنّ ذلك هو الذي يخفّف الضغوط المتبادلة فيما بينها.
وأخيراً:
إنّ الاستكبار العالميّ كلّه قد برز إلى الإسلام كلّه، في حملةٍ متعدّدة الجوانب والأهداف، لا تقتصر على الجوانب السياسية والأمنيّة فحسب، بل تؤسّس لحركة تشويه ثقافية وفكريّة تُدخل المسلمين جميعاً في ضبابيّة المفاهيم، بحيث يسهل على المستكبرين والظالمين النفاذ إلى عمق الوجدان الإسلامي من خلال التأسيس لانقسامات ترتكز إلى الفهم الملتبس للآخر الذي يوضع في دائرة الكُفر أو الضلال أو الشرك، ويكون حالنا انعكاساً للحديث الشريف: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلّة نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنّكم غُثاءٌ كغُثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدورِ عدوّكم المهابة منكم، وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: حبّ الدنيا وكراهية الموت». [سنن أبي داود: 2/313/4297].
وإنّنا ـ في ختام الحديث ـ نبارك لكم جهودكم الخيّرة، ونأمل أن يوفّقكم الله لإعلاء كلمته، والارتفاع براية الدين لتخفق روحاً وخيراً ومحبّةً وإنسانيّةً على العالم كلّه؛ {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26]. والحمد لله ربّ العالمين.

سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
بيروت ـ 23 جمادى الثانية 1429 هـ/ 27 يونيو 2008 م

28 يوليو 2008

على العرب أن يفهموا أمريكا البراغماتية التي لا صداقة ثابتة لها إلا مع إسرائيل
فضل الله دعا الدول العربية والإسلامية إلى رسم خططها الاستراتيجية قبل الإعلان عن صافرة البداية لمرحلة جديدة

أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً تناول فيه ما قد يُقبل على المنطقة من متغيرات في المرحلة المقبلة، وجاء فيه:
لقد بات من المفيد للدول العربية، وخصوصاً تلك التي تستدعي وزيرة الخارجية الأمريكية وزراء خارجيتها، وتلتقي بمسؤوليها بين الوقت والآخر، لتضعهم في أجواء الأدوار المرسومة لهم ضمن البرنامج الأمريكي في المنطقة... أن يدركوا أن الإدارة الأمريكية لا تبحث عن الأسباب التي من شأنها أن تحمي استقرار هذه الدول، بل تعمل لتحقيق هدفين أساسيين، أولهما: تأمين الاستمرارية لنهج هذه الإدارة عبر التسويق للمرشح الجمهوري في الأشهر الأخيرة من عمر ولاية بوش، وثانيهما: البحث الجدي عن الكيفية التي يُحفظ من خلالها الدور الإسرائيلي الأمني والسياسي في المرحلة المقبلة على مستوى المنطقة كلها، وخصوصاً بعد الكدمات التي تعرّض لها الكيان الصهيوني والتي جعلته يفقد الكثير من ثقته بتفوّقه النوعي، ما استدعى كل حركة الزيارات العالمية لإرضاء خاطره، وطمأنته إلى أن الاعتراف العالمي بمكانة إيران الإقليمية، لا يعني الموافقة على أن تتحول إلى قوة إقليمية قاهرة ومتحكمة بسير اللعبة السياسية والأمنية في المنطقة.
ولذلك، فإن على العرب قبل غيرهم أن يعرفوا أن شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان أصبحت وراء ظهر إدارة الرئيس بوش التي لم تستخدم هذين العنوانين إلا في سياق توفير الأجواء الملائمة لغزو مواقع جديدة في المنطقة، وإذا كانت التطورات قد عملت على سحب هذين العنوانين وغيرهما من الواجهة بفعل الضائقة السياسية والأمنية التي تمر بها أمريكا في المنطقة، فإن على الأنظمة العربية أن تدرك جيداً مدى خطورة الرهان على أمريكا ـ بوش الحاضرة للّعب بمصير أي نظام تعتقد بأن مهمته قد انتهت، خصوصاً أن تجربة النظام العراقي السابق لا تزال ماثلةً أمام الجميع، لأن أمريكا ـ الإدارة لا صداقات ثابتة لها باستثناء صداقتها لإسرائيل، ومن هنا، وجب على العرب أن يفهموا ما معنى أمريكا البراغماتية الحاضرة لبيع أنظمتهم أو استخدامهم على مذبح مصالحها ومصالح إسرائيل.
إن التطورات الأخيرة في المنطقة بوقائعها ومعطياتها المتعددة، والتي أفرزت توازنات جديدة لمصلحة قوى الممانعة، وأعادت الاعتبار لقوى المقاومة، ينبغي أن تدفع العرب قبل غيرهم لإدراك خطورة ما تتحرك به الإدارة الأمريكية، والخروج من دائرة السبات السياسي الذي وضعوا أنفسهم فيه، والعمل لإعادة صوغ علاقاتهم مع محيطهم العربي والإسلامي، لتعود العلاقات العربية ـ العربية، والعربية ـ الإسلامية إلى مستوياتها المعهودة والطبيعية، وإلى المتانة والقوة اللتين تستدعيهما المرحلة بدقّتها وخطورتها، لأن من السذاجة أو من الغرابة بمكان، أن تتحرك الإدارة الأمريكية باتجاه ترميم بعض العلاقات في المنطقة، أو نحو ترتيب بعض الأوضاع مع هذه الدولة الإسلامية أو تلك الدولة العربية، من دون أن تتحرك الدول العربية والإسلامية لترتيب أوضاعها وعلاقاتها فيما بينها، والأخطر من ذلك كله، أن تمنع هذه الدول من القيام بذلك، ثم أن تُرسم لها الأدوار للّحاق بالقطار الأمريكي عندما تنطلق صافرة البداية لتعلن عن ولادة مرحلة جديدة في المنطقة يكون فيها دور هذه الدول على هامش الهامش من الدور الأمريكي في المنطقة.
إننا نريد للدول العربية ـ بما فيها تلك التي تصنّفها الإدارة الأمريكية في خانة الاعتدال ـ والدول الإسلامية، أن تتداعى للّقاء والاجتماع من تلقاء نفسها، وأن تحاول دراسة المرحلة المقبلة على أساس المتغيرات القادمة، لترسم الخطط السياسية والاقتصادية التي من شأنها أن تحفظ القضايا العربية والإسلامية، وتجعل الأمة بمنأى عن التحولات السلبية القادمة، وتعيد الوحدة إلى الساحة العربية والإسلامية على أساس وحدة القضايا والمصير، وبعيداً عن الأطر المذهبية التي أُريد لها أن تتفجّر في قلب الواقع الإسلامي والعربي لتتركه في حال من الفوضى والاضطراب.


مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 24-7-1429 هـ الموافق: 27/07/2008 م

26 يوليو 2008

السيد فضل الله لفريق نادي المبرة:
الرياضة تمثّل الفنّ الحركي الذي يغني الإنسان ويطوّر حركة جسمه


استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، فريق نادي (المبرة) عقب فوزه ببطولة كأس لبنان، وتحدث إليهم بكلمة تكريمية، جاء فيها:
في البداية، أحبّ أن أبارك لكم هذا الإنجاز الرياضي الكبير، فالرياضة تمثّل في نظرنا نوعاً من أنواع الفنّ الحركي الذي يغني الإنسان ويساعده في تطوير حركة جسمه، بحيث يتحكم في حركته بالشكل الذي يتحول فيه الجسد إلى عنصر من العناصر التي يسيطر عليها الإنسان لا العكس، لأنّ الإنسان العقل والروح هو إرادة، أما الجسد، فهو وسيلة من وسائل انطلاقة العقل في تقويم حركة الجسد، وانفتاح الروح على الآفاق التي يتحرك فيها الجسد، والإرادة التي تجعل الإنسان يملك أن يحكم كل تصرفاته بشكل مستقل وفاعل من دون أن يسيطر عليه أحد.
إنّ جمعية المبرات الخيرية انطلقت من أجل رفع مستوى الإنسان، من خلال رفع مستوى العقل والروح والحركة والإرادة القوية التي تجعل الإنسان صاحب شخصية قوية، بحيث يملك أن يريد أو لا يريد، لأننا نعيش في مجتمع يمنعنا من أن نملك إرادتنا، وقيمة الرياضة في حركة الرياضي في الجسم، هي أن يملك الإنسان فيها إرادته، وحركة رجليه، في خطي الدفاع والهجوم، وأن يملك أيضاً أن يحافظ على ما ائْتُمِن عليه، لأنّ الكرة في خط الدفاع تعتبر أمانةً لدى الشخص الذي هو في موقع الدفاع، لأن دفاعه لا يمثل دفاعاً شخصياً، وإنما يمثل كل الموقع الذي ائْتمنه على هذا الخط.
وكما أنكم اغتنيتم بالمبرة، التي انطلقت من أجل صنع الإنسان بعيداً عن الطائفية والعصبية وحتى عن المذهبية في معناها الضيّق، فإنّ المبرة اغتنت بكم، لأنكم أعطيتموها تجربةً غنيةً وعنواناً كبيراً، بحيث استطاعت من خلالكم أن تنتقل من الموقع المحلي إلى الموقع الأوسع، وهذه هي ميزة الإنسان في أي فنّ من الفنون، أنّه لا يبقى في الدائرة الضيقة التي تحصره فيها ظروفه، بل يحاول أن ينطلق من الموقع المحلي إلى الموقع الإقليمي، وإذا استطاع إلى الموقع العالمي، ومثال ذلك محمد علي كلاي، ذاك الشخص الأمريكي الذي انطلق من قرية صغيرة، واستطاع أن يصبح شخصية عالمية. وكذلك الحال في كثير من الأشخاص الذين يملكون الإبداع في العلم، كالطب والهندسة، أو في أي فنّ من الفنون، كالرياضة أو التمثيل، من قبيل الممثلين الذين استطاعوا أن يصبحوا نجوماً عالميين.
ولذا نحن نريد لكم أن تنتقلوا من أفق إلى أفق أوسع، فلا تعيشوا في الأفق الضيّق، وعلى هذا الأساس، أنا أحبّ أن أبيِّن نقطةً أساسيةً جداً نعيشها في لبنان وفي العالم العربي والإسلامي، وهي أن التخلف الموجود في كثير من مواقعنا في العالم العربي والإسلامي، وخصوصاً في لبنان، وبفعل الفتن الداخلية والفوضى التي يزرعها الاستكبار العالمي، قسّم المجتمع الإسلامي إلى عصبيات.
وهذا ما نلاحظه الآن في لبنان، فالقضايا السياسية والخلافات السياسية تحولت إلى قضايا مذهبية، ومع الأسف، فإنّ الشيء الذي يزعج، هو أن الرياضة التي تمثل أرقى عمليات الانفتاح، باعتبار أنه في عالم الرياضة، لا ترى الفريق الخاسر يشعر بعقدة نفسية متأزمة تجاه الفريق الرابح، بل يبقون أخواناً، من دون أن يحمل أحد أي سلبية تجاه الطرف الآخر.. إنّ الرياضة التي تمثّل هذا الانفتاح، لم تعد كذلك في لبنان، إذ أصبحنا، مع الأسف، نقسِّم الرياضيين على أساس أنّ هذا فريق سني، وذاك فريق شيعي، والفريق السني يتعقد من الفريق الشيعي، والفريق الشيعي يتعقد من الفريق السني، ولربما دخل هذا الأمر في حسابات المشرفين على العمل الرياضي، بحيث أصبحنا نقسم الرياضيين إلى مذاهب.
ليس هناك مشكلة في أن ينتمي الإنسان إلى مذهب معيّن، لكن المشكلة في التعصّب للمذهب، لأنّ العصبية تغلق فكر الإنسان وروحه وطموحه وحياته عن الانفتاح على الآخر.
ولذلك أنا أحب لكم، كما هي أهداف المبرة منذ انطلقت، أن تنفتحوا على الإنسان كله، وأنا منذ كنت في النجف الأشرف، لم أكن أشعر بعقدة تجاه أي إنسان أختلف معه، سواء اختلفت معه في الدين أو في المذهب أو في الرأي السياسي، حتى إنّه كان عندنا علاقات مع الشيوعيين والقوميين والديمقراطيين وما إلى ذلك، مع التزامنا بما نؤمن به. لذا عندما ننفتح على الآخر، علينا أن ننسحب مما نؤمن به، ولكن في الوقت نفسه، علينا أن نعتبر أن الحوار هو الأساس الذي يمكن أن يحقق النتائج في الوصول إلى وحدة أو إلى تفاهم.
على كلٍ، أنا أبارك لكم هذا الإنجاز، وأريدكم أن تكونوا رياضيين بالروح والفكر، كما أنتم رياضيون بالفن والحركة، وعلى هذا الأساس، نحب أن يعقب هذا النجاح نجاحات أخرى إلى أن تدخلوا في المهرجانات العالمية، وتكونوا أبطالاً هناك إن شاء الله عز وجل، وتكونوا أبطالاً أمام الله سبحانه وتعالى في تقواه، وأبطالاً في خدمة أمتكم، وأبطالاً في الوحدة الإسلامية والوحدة الوطنية.
وأنا أسأل الله لكم جميعاً التوفيق والحماية والرعاية، ونحن نعتزّ بكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كلمة سماحته في استقبال (نادي المبرة) الذي قدّم له كأس لبنان بعد فوزه بالبطولة، وذلك بتاريخ: 3-7-2008م

25 يوليو 2008

دعا إلى قيام هيئة عربية إسلامية تُعنى بملاحقة الملفات القضائية التي تهم قضايانا
فضل الله: القائمة الأمريكية الجديدة حول مليون إرهابي دليل جديد على عدم وجود تغيير جذري في سياسة الإدارة


أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً علّق فيه على إصدار "مركز مراقبة الإرهابيين" في وزارة العدل الأمريكية، قائمة أمريكية أدرجت أسماء نحو مليون إرهابي، وجاء في تصريحه:
إن هذه القائمة الأمريكية الجديدة الصادرة عن وزارة العدل الأمريكية وعمّا يسمونه "مركز مراقبة الإرهابيين" والتي أدرجت نحو مليون اسم على لوائحها، افترضت أنهم إرهابيون، تعطي دليلاً إضافياً على أن الإدارة الأمريكية الحالية ليست في وارد تغيير سياستها ـ في الأشهر المتبقية من عمرها ـ لا على المستوى الأمريكي الداخلي ولا على مستوى التعاطي مع الملفات الخارجية، وخصوصاً تلك التي تتصل بالمنطقة العربية والإسلامية.
إن إدارة الرئيس بوش ماضية في ابتداع الخرافات واختراع الأساطير حول الإرهاب لتخويف الأمريكيين في الداخل وتبرير سياسة البطش والقتل والاعتقال والاحتلال في الخارج، وقد صدرت في أمريكا نفسها العديد من الكتب والمقالات التي تؤكد أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش قد ارتكبت جرائم حرب، وأنها تستخدم لعبة مضاعفة الأسماء المتهمة بالإرهاب والتي تزداد بمعدل أكثر من 20 ألف اسم كل شهر لأسباب تهويلية ضد الآخرين، ولتبرير انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان وتمهيد السبل لفتح ملفات جديدة في الوقت الذي توحي بأنها في صدد إقفال ملفات قديمة.
إننا في الوقت الذي لا نستغرب صمت الكثير من جمعيات حقوق الإنسان في الغرب حيال هذه الانتهاكات، وعدم تعليق الكثير من الدول، وخصوصاً الأوروبية منها، على هذه السياسة الأمريكية التي تعمل لإدراج العالم العربي والإسلامي على لوائحها كمنطقة منبوذة وكبؤرة للإرهاب العالمي، نتساءل عن السبب في انكفاء العرب والمسلمين عن الردّ عملياً على هذه الاتهامات، وعن تقصير الإعلام العربي والإسلامي الموجّه للغربيين لكشف هذه الأكاذيب وفضحها، كما أننا نتساءل عن السبب في انكفاء الحقوقيين العرب والمسلمين عن القيام بدورهم في ملاحقة رموز الإرهاب الأمريكيين من خلال المحاكم الغربية، بحسب طاقاتهم وإمكانياتهم، وبحسب الظروف المتوافرة، ولماذا تبقى شخصية كنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني بمنأى عن هذه الملاحقات، فضلاً عن بوش نفسه، وإن كانت المسألة في حدود الكشف عن مكامن الإجرام وانتهاكات حقوق الإنسان المتمثلة بهذين المجرمين العالميين.
إنني أدعو إلى قيام هيئة عربية وإسلامية تُعنى بهذه المسألة، وأن لا يقتصر عملها على الجانب الأحصائي في ذكر جرائم الحرب والانتهاكات الأمريكية والإسرائيلية لحقوق الإنسان، بل في العمل لملاحقة أي ملف قضائي يهم العرب والمسلمين ضمن الإمكانات المتوافرة في بلادنا أو في البلدان الغربية، على أن تُعنى من ناحية أخرى بفضح محاولات تسييس الملفات القضائية ووضع كل المعارضين للسياسة الأمريكية والأطلسية في خانة الملاحقة تحت عناوين سياسية واهية.
وعلينا، ونحن نثير هذا الملف وغيره في نطاق الدفاع عن قيمنا وإنساننا، ألا نسقط في متاهات ردود الفعل الانفعالية التي تجعلنا نعمّم الاتهامات أو نتحرك في نطاق تسجيل النقاط ضد الآخرين، بل أن نشير بالأرقام وبالدراسات العلمية والقانونية إلى الظلم اللاحق بشعوبنا من خلال الحروب المتنقلة التي شنتها أمريكا وحلفاؤها ضدها، بعيداً عن كل الاعتبارات الشرعية أو القانونية التي يفرضها القانون الدولي واتفاقيات جنيف، مع التركيز على رفض الإرهاب الذي يطاول الأبرياء، بصرف النظر عن هويتهم وانتمائهم السياسي أو الديني، والتأكيد على احترام حركة الشعوب في مقاومة المحتلين والغاصبين، كونها، أي المقاومة، تمثّل حقاً لا يمكن التنكّر له، ولكونها بممارستها هذا الحق وفق الضوابط الشرعية والأخلاقية، تتّسم بأعلى درجات الشرف والعزّة والكرامة.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 21-7-1429 هـ الموافق: 24/07/2008 م
استقبل وفداً برلمانياً بحرينياً و"أبوحمدان" وحزب التحرير
فضل الله: لقاءات التقارب بقيت احتفالية والحوار الإسلامي الجديد لم يبدأ بعد

استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وفداً برلمانياً بحرينياً، ضم النائبين في البرلمان البحريني، محمد جميل عبد الأمير الجمري وعبد الجليل خليل حيث جرى عرضٌ لعدد من القضايا الإسلامية العامة، إضافةً إلى الوضع في البحرين، وإيجابيات العمل الإسلامي وإشكالياته داخل الندوة البرلمانية.
وشدد سماحته على أن يجعل العاملون للإسلام في مختلف المجالات مسألة الوحدة الإسلامية في رأس أولوياتهم وحركتهم.
وأشار سماحته إلى مسألة حوار الأديان المثارة في هذه الأيام على المستويات السياسية والإعلامية، فرأى أن القرآن يمثل الوثيقة الإلهية في مسألة حوار الأديان والتي تشير إلى ضرورة تأكيد هذا الحوار عبر خطين: الأول ويتصل بالجانب الفكري، حيث ينبغي العمل على تأصيل المفاهيم القرآنية الإسلامية الفكرية في مسألة الحوار مع الآخر، وخصوصاً الآخر الديني. والثاني: ويتصل بتأصيل المفاهيم العقيدية فيما يختلف فيه الإسلام عن الآخرين في هذا المجال.
وقال: لقد كنا نتمنى أن يسبق الحوار الإسلامي ـ الإسلامي الجدي حوار الأديان، لأننا نعتقد أن الحوار الإسلامي ـالإسلامي الجدي والعميق والموضوعي لم يبدأ بعد... صحيح أننا نشهد بين الحين والآخر لقاءات حوارية، أو نشهد حركة منتديات تحمل عنوان هذا الحوار، أو تنطلق فاعليات دينية من هنا وهناك ضمن مؤتمرات تقيمها هذه الدولة أو تلك، ولكن هذه اللقاءات والمنتديات والمؤتمرات هي أقرب إلى المهرجانات الاحتفالية منها إلى اللقاءات العلمية المدروسة التي ترسم الخطط وتتوخى الدقة والموضوعية والعلمية في سياق السعي الجدي والمعمّق لتركيز القاعدة الإسلامية القرآنية في حوار المذاهب والشخصيات والجهات المتنوعة داخل الجسم الإسلامي...
أضاف: شهدت بعض اللقاءات الإسلامية أخيراً سجالات بين هذا الفريق أو ذاك، وبين وجهة النظر هذه أو تلك، ولكنها كانت أقرب إلى تسجيل النقاط والتركيز على المسائل الخلافية منها إلى الحوار الهادف الذي يضع الأسس العملية للقاء والتعاون والتنسيق.
وشدد على أن يتمرد الساعون للحوار والجدال بالتي هي أحسن على الظروف السياسية المعقدة التي تحيط بهم وعلى الحواجز التي تنصب لهم في بدايات الطريق، مشيراً إلى أن نجاح أي حوار من هذا النوع يحتاج إلى توافر الذهنية العلمية والشخصية الوحدوية المستعدة لتخطي حواجز الأنظمة وسلوكيات بعض المنتمين لهذا المذهب أو ذاك، والخطوط المتخلفة التي ترسمها السلفيات المغلقة والجهات التكفيرية المعقدة.
وأكد أننا سنستمر في التأكيد على أولوية الحوار الإسلامي ـ الإسلامي كسبيل أساسي للحوارات الأخرى ومنها حوار الأديان، مشدداً على أن ينزل هذا الحوار إلى الواقع ويعالج الأمور بطريقة واقعية وحكيمة ولا يتعامى عن المشاكل الموجودة أو يحاول أن يختفي وراء ما قد يعتبره البعض ثوابت، وخصوصاً ما استحدثه الناس منها والتي لا تتصل بجوهر الدين وأصله وليس لها جذر حقيقي في قواعده الراسخة.
وشدد سماحته على أننا نشجّع كل عمل جدي لبناء أرضية صالحة في مسألة حوار الأديان شرط أن يكون معمقاً، وبعد أن ندرس الخلفيات التي تكمن وراء حركة من يُقدّمون كممثلين للأديان في العالم، مؤكداً على أن يذهب المسلمون إلى أي حوار خارج الدائرة الإسلامية بشخصيتهم الإسلامية الوحدوية لا بنوازعهم الذاتية والمذهبية.
واستقبل سماحته النائب السابق محمود أبو حمدان، حيث جرى عرضٌ للأوضاع العامة.
ثم استقبل وفداً من "حزب التحرير" برئاسة صالح سلام، قدم دعوة لسماحته إلى المشاركة في المؤتمر السنوي الثالث للحزب، والذي يُعقد في قصر الأونيسكو في صباح الأحد القادم تحت عنوان "لبنان من عبث الطائفية ومكر المستعمرين إلى حضارة الإسلام".
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 20-7-1429 الموافق: 23/07/2008
بعد الضجّة التي أثارتها فتاواه في العالمين العربي والإسلامي
يؤكّد المرجع الشيعي العلاّمة محمد حسين فضل الله:
حجاب المرأة يفرضها في المجتمع كعقل لا كجسد


عندما تجد نفسك معتكفاً على ورقة بيضاء، وفي يدك قلمٌ لكي ينطلق في الحديث عن شخصية سبقك الكلّ إليها وفاضت أقلامهم بوصفها ورصدها في مراجع ومجلدات، يبدو الأمر في غاية الصعوبة... وسؤال واحدٌ يشلّ تفكيرك: كيف لك أن تختصر تاريخاً بكلمات؟ ولكن عندما تحمل تلك الشخصية اسم سماحة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، يسهل الأمر عليك، لأنه بكل بساطة رجلٌ لا ينتهي عنده الكلام... جمع في شخصيته "البراغماتية" و"الالتزام"، وفي اجتهاداته "التديّن" و"الاعتدال"، ولكن فتاواه كانت وما تزال الأكثر إثارةً للجدل، وكان آخرها فتوى حقّ المرأة في ضرب زوجها دفاعاً عن نفسها، والتي عارضها بشدة بعض رجال الدين في العالمين العربي والإسلامي، وخصوصاً في الأزهر وفي مجمع الفقه الإسلامي...
عن سرّ هذه الفتوى، وعن نظرته إلى المرأة العربية، ورأيه في الوضع الأمني في لبنان، وفي الزواج المدني وزواج المسيار، وغيرها من المواضيع الحياتية والدينية المهمة، تحدّث سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله بإسهاب، وهذا نصّ الحوار:
الفتاوى الشرعية والمرأة:

س: لقد أحدثت الفتوى التي أصدرتموها أخيراً، حول حقّ المرأة في ضرب زوجها في حال اعتدى عليها بالضّرب، دفاعاً عن نفسها، أحدثت جدلاً أزهرياً كبيراً، في حين اعتبرها البعض تحريضاً مباشراً على إشعال نار الخلافات الزوجية بدلاً من نشر ثقافة التسامح، فما ردّكم على ذلك؟

ج: إنّ من عارض هذه الفتوى، هو بالتأكيد لم يفهمها بمدلولها الحقيقي، لأنني عندما أفتيت بأنه من حقّ المرأة ضرب زوجها من أجل الدفاع عن نفسها في حال ضربها ظلماً، إنّما ارتكزت في ذلك إلى النصّ القرآني انطلاقاً من قوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة:194]، وقوله تعالى: {وأن تعفوا أقرب للتقوى} [البقرة:237]، فهي إن صبرت عليه، فإنها تحصل على أجر صبرها عند الله، وإذا دافعت عن نفسها من أجل ردّ الأذى عنها، فهذا يمثّل حقّها الطبيعي كإنسانة اعتُدي عليها، خصوصاً أن مثل هذا الأمر سيحميها دون شك من العيش تحت ضغط قاسٍ قد يؤدي إلى نتائج سلبية على جسدها ونفسيتها.
وهذا رأينا أيضاً بالنسبة إلى الرجل، فإذا ضربته زوجته، أو أي أحد من أفراد عائلتها، أو أي شخص آخر، فإنّه يحقّ له تلقائياً الدفاع عن نفسه وردّ الضربة للمعتدي بالمثل. وهنا لا بد من الإشارة إلى مسألة، وهي أننا نؤكد دائماً ضرورة استخدام الوسائل السلمية في الحياة الزوجية، ونركّز على ضرورة اهتمام المرأة بزوجها، في أن تُحسن معاشرته، والتصرّف في حلّ الخلافات الزوجية بالطرق المهذبة، والله سبحانه يقول: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفّق الله بينهما} [النساء:35].
إنّ ديننا شرّع لنا أن نحافظ على إنسانية المرأة
وأن نكرّس هذه الإنسانية كما نكرّس إنسانية الرجل
ولكننا هنا نسأل كل من عارض مضمون الفتوى التي تبيح للمرأة الدفاع عن نفسها، أنه لو كان لديه ابنة متزوجة، فهل سيقبل بأن تضرب ضرباً مبرّحاً، وأن تُفقأ عينها أو تُكسر يدها أو تُصاب بأمراض نفسية جرّاء خضوعها واستسلامها للأذى الذي تتعرّض له؟ لذا أقول إن المشكلة في أولئك الذين يعطون الرجل حقوقه كاملةً، ولا يقبلون بالاعتراف بأيّ حق من حقوق المرأة، أنهم لا يعترفون بإنسانية المرأة. ونحن علينا، وكما شرّع لنا ديننا، أن نحافظ على إنسانية المرأة، لا بل أن نكرّس هذه الإنسانية في مجتمعاتنا تماماً كما نكرّس إنسانية الرجل.

س: نحن نعيش في مجتمع شرقي، وعقلية الرجل العربي قد لا تسمح له بتقبّل مثل هذه الفكرة، كما أن ذكوريّته لا تسمح له بأن يتابع حياته مع امرأة ضربته، ألا تعتقدون أن مثل هذه الفتوى ستؤدي حتماً إلى أبغض الحلال بين الأزواج؟

ج: إذا كان البعض يرى أن في دفاع المرأة عن نفسها دماراً لحياتها الزوجية، وأن ذلك سيؤدي حتماً إلى الطلاق، فإنّ قلّة احترام الزوج لزوجته، ومعاملتها بعنف، وضربها، وإلصاق التهم غير الدقيقة بها، كلها أمور قد تؤدي إلى الطلاق، وإن لم تدافع المرأة عن نفسها بردّ الضربة إلى الزوج.

س: ولكن بعض من عارضكم علّل وجهة نظره بأنكم تعطون المرأة حقاً لم يمنحها الإسلام إياه، إذ إنه، وبحسب القرآن الكريم، يجوز للرجل ضرب زوجته في حالات معينة، كما في قوله تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ}، بينما لم يبح للمرأة مثل هذا الأمر؟

ج: لا يحقّ للرجل ضرب زوجته إلا في حالات النشوز، كأن لا تستجيب لحاجات زوجها الجنسية، لأن هذا حقّه الطبيعي بمقتضى العقد الزوجي الذي فرضته هي على نفسها، وبحسب الآية التي ذكرتها، نجد أن القرآن لا يبيح للرجل ضرب زوجته مباشرة، وإن كانت تمنعه من أخذ حقوقه الزوجية، بحيث تبدأ الآية بـ{فعظوهنّ} [النساء:34]، بمعنى أن يشرح لها الزوج مساوىء ما تفعله، ويحاول إقناعها بالتي هي أحسن حتى يعيدها إلى صوابها، وإن أصرّت على حرمانه أحد حقوقه الشرعية، فإنّ عليه أن يهجرها في المضجع كشكل من أشكال التأديب النفسي، وكإيحاء بأنها ليست موضع اهتمامه، وإن لم تنفع كل الوسائل معها، فيمكنه أن يضربها ضرباً غير مبرّح ولا مؤلم حتى يسوقها إلى درجة الطاعة.
لا بد للرجل من أن يحترم زوجته التي أوصاه الله بها
والسبب في ذلك، هو أنّ هذه المواضيع تعتبر حسّاسةً للغاية، إذ لا يمكن أن تُحلّ بين الأهل وفي المحاكم، وعلى الزوجين أن يصلا إلى الحلّ، فإما أن تطيع المرأة زوجها كما وعدته منذ البداية، وإما أن يلجأ الزوج إلى الوسائل المتاحة أمامه لوضع حدّ لهذه المشكلة، خصوصاً إذا كانا لا يفكران في الطلاق. وعدا ذلك، لا بد للرجل من أن يحترم زوجته التي أوصاه الله بها، وأن يقدّرها، وفي حال ضربها ظلماً، فهو بحكم المعتدي ومن حقّ المرأة وهي المُعتَدى عليها أن تدافع عن نفسها كما هو واضح بحسب النصّ القرآني، فيما إذا لم يكن هناك مجال للصبر والعفو والخروج من المنزل أو غير ذلك.

س: لاقت الفتوى التي تؤكّد أنه لا ولاية على المرأة إذا كانت بالغةً ورشيدةً ومستقلةً معارضة شديدة من بعض رجال الدين في الأزهر، وفي مجمع الفقه الإسلامي، فهل أصدرتم مثل هذه الفتوى نظراً إلى واقع المرأة العاملة والمستقلة مادياً اليوم، أو أنها فتوى ترتكز إلى ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؟

ج: نحن نقول إن البالغة الرشيدة كالبالغ الرشيد، والأخوان السنّة يعتبرون أن لا نكاح إلا بوليّ، بمعنى أنه لا بد من أن يكون هناك وليٌ على المرأة، وهناك الكثير من علمائنا الشيعة أيضاً يرون أنه لا بد للمرأة البكر من أن تستأذن أباها أو جدها لأبيها في زواجها، لكن إذا كان أبوها وجدّها متوفين، فهي تملك نفسها إذا كانت بالغةً رشيدةً، ولا ولاية لأحد عليها. وهناك رأي آخر، أن المرأة البالغة الرشيدة كالبالغ الرشيد، أي أنها حينما تبلغ سن الرشد تصبح مستقلةً. ولذا يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الشريف: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم} [النساء:6]، فالمرأة مستقلة في مالها قانوناً، وليس لأحد، سواء كان جدّها أو أباها أو أخاها أو زوجها، أي علاقة فيما تملكه من المال. ونحن نقول، إنه لا فرق بين استقلال المرأة المالي واستقلالها في زواجها، بل إنّ استقلالها في زواجها أخطر من استقلالها المالي، فهي شخصية قانونية كاملة، تملك نفسها وتملك التصرّف في حياتها مئة في المئة، ولا ولاية لأحد عليها. ولكن غاية ما هناك، أننا ننصحها من باب الاستشارة أن تسأل أهل الخبرة في هذا الموضوع، من أبيها أو جدّها أو أخيها الذي لا ولاية له عليها في هذا الشأن.
القوامة محصورة بالحياة الزوجية، وبمعنى الإدارة لا بمعنى السلطة

س: نشعر من خلال كلامكم، فضلاً عن الفتاوى التي تصدرونها دائماً في حق المرأة، أنكم تحاولون تطبيق المساواة بين المرأة والرجل، فيما يؤكد البعض اللامساواة بينهما، انطلاقاً من النص القرآني الذي أعطى الذكر مثل حظّ الأنثيين، واعتبر شهادة امرأتين في مقابل شهادة رجل وما شابه... ألا يمكن أن يُفسّر البعض ذلك بالتناقض؟

ج: لست أنا من يؤكّد المساواة بين المرأة والرجل، وإنما الله سبحانه وتعالى هو من أكد هذا الأمر، ومع ذلك، فإنّهم يتحدثون دائماً عن اللامساواة، وخصوصاً من جهة القوامة، ولكن القوامة فيما أراه، محصورة بالحياة الزوجية، وبمعنى الإدارة لا بمعنى السلطة. فالرجل لا سلطة له على زوجته إلا بما التزمت به في عقد الزواج، كما أنه لا سلطة لها على زوجها إلا بما التزم به في عقد الزواج. أما قضية أنّ للذكر مثل حظّ الأنثيين، فهذا ينطلق من أن الإسلام كلّف الرجل بإدارة البيت الزوجي اقتصادياً، فعليه الإنفاق على زوجته حتى وإن لم تكن محتاجةً مادياً، بينما لم يُكلِّف المرأة مسؤولية الإنفاق لا على الزوج ولا على الأطفال. من هنا نقول: إن ديننا أخذ من المرأة من هنا وأعطاها من هناك.
وللمزيد من التوضيح، يمكنني أن أعطي مثالاً على ذلك، إذا كان هناك أبٌ يملك 30 ألف دولار، وأعطى بحسب الشرع 20 ألفاً إلى ابنه، و10 آلاف إلى ابنته، فليس هناك ظلم في حق الفتاة، لأن الابن لا بد من أن ينفق من العشرين ألفاً على عائلته وزوجته وأطفاله، أما الفتاة التي ورثت العشرة آلاف، فسيكون مالها لها وحدها، إذ إنها ليست مسؤولةً عن الإنفاق على عائلتها، كما أن زوجها مجبرٌ على الإنفاق عليها، وإن لم تكن بحاجة إلى المال، وهذا يعني أن هناك توازناً في التشريعات الإسلامية بين المرأة والرجل معاً.
أما فيما يخصّ شهادة الرجل التي تعادل شهادة امرأتين، فهذا ليس انتقاصاً من أهمية المرأة، وإلا لكانت شهادة المرأة غير مقبولة أصلاً، ولكن الله عزّ وجلّ علّل هذا الأمر بقوله تعالى: {أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى} [البقرة:282]، وذلك لأن المرأة قد تخضع للعاطفة ولا تكون في مثل هذه المواقف بنفس صلابة الرجل، نظراً إلى إحساسها المفرط وعاطفتها الجيّاشة. والشاهد على ذلك، أنه في البيّنة القضائية، لا يكفي شهادة عدل واحدة، بل لا بد من شهادة عدلين، وهذا لا يعني عدم احترام شهادة العدل الواحد، لأن شهادته تعني أنه إنسان مستقيم في الدين، يخاف الله، فلا يشهد شهادة زور، ولا يكذب، ومع ذلك احتياط العدالة يؤكد ضرورة وجود شاهدين. وفي الحياة الجنسية أيضاً، يجب أن يكون هناك مساواة بين المرأة والرجل، {ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف} [البقرة:228]، وهذا يعني أنّه كما للرجل حق على زوجته في أن تستجيب لحاجاته الجنسية، فللزوجة أيضاً حاجاتها وعلى الزوج أن يستجيب لها.
الأساس الاجتهادي عند السنّة والشيعة مشترك، وهو القرآن والسنّة

س: تعتبرون، سماحة السيد، أن الفتاوى التي تصدرونها ليست موجّهةً إلى الشيعة فقط، لكونها تعالج المسألة الإسلامية في بعدها الإنساني، إلا أن بعض المسلمين من غير الشيعة يرفضون بشكل قاطع مثل هذه الفتاوى التي لا تتلاءم مع طبيعة حياتهم في مجتمعات محافظة، إذا صحّ التعبير، فهل يمكن للفتوى الدينية، في رأيكم، أن تلغي العرف الاجتماعي والموروث الثقافي؟

ج: أنا أتكلم كمرجع إسلامي وليس كمرجع شيعي، لكوني لا أفرق في الأحكام الشرعية بين ما يجتهد فيه الشيعة وما يجتهد فيه السنة، لأن الأساس عندنا مشترك، وهو القرآن والسنة، لذا يجب أن تكون الفتاوى مقبولةً حتى وإن اختلفت البيئة الاجتماعية. ولكن الحاصل أن البعض لا يفرّق بين التديّن والعصبية، لذا نجد أن هناك حالات من العصبية عند بعض المتدينين من السنة والشيعة تمنعهم من تقبّل الآخر أو من التفكير العلمي الموضوعي في ما يُصدره الآخر.
كما أنّ هناك بعض السنة الذين يرفضون آراء الآخرين من السنة، فهناك أربعة مذاهب مشهورة عند السنة فقهياً، فالحنفي يختلف عن الشافعي، والشافعي يختلف عن المالكي والحنبلي، وعند الشيعة أيضاً، نرى مرجعاً شيعياً يختلف في فتاواه عن مرجع شيعي آخر، فهذه قضايا تتصل إذاً بالاجتهاد، وعدم قبول الناس بهذه الاجتهادات نتيجة عصبياتهم أو نتيجة التزاماتهم المذهبية الاجتهادية، هو أمرٌ لا يمنع المجتهد من أن يُصدر فتاواه، على طريقة قوله تعالى: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف:29].
المـرأة والحجـاب:

س: كيف تردُّون سماحة السيد على بعض من يرى أن حجاب المرأة يقف عائقاً أمام تطورها في الميدان العملي، خصوصاً أنها تحاول اليوم إثبات نفسها مهنياً محلياً ودولياً؟

ج: بدايةً، أحبّ الإشارة إلى مسألة، وهي أن تغطية الوجه ليست مفروضة في تحقيق الحجاب، ويحقّ للمرأة أن تكشف وجهها وكفّيها، وحتى في رأينا قدميها أيضاً، لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهنّ إلا ما ظهر منها} [النور:31]، والمقصود فيما ظهر منها، أي ما تحتاج المرأة إلى إبرازه في حياتها الاجتماعية. لكن في الجانب الآخر أقول، إن الإسلام أراد للمرأة أن تعيش إنسانيتها في المجتمعات العامة، لا أن تعيش أنوثتها، لأن عالم "الأنوثة" يتصل بالغريزة، بينما عالم "الإنسانية" يتصل بالشخصية العقلية للمرأة.
عالم الأنوثة يتصل بالغريزة، بينما عالم الإنسانية يتصل بالشخصية العقلية للمرأة
لذلك نرى أن الاتجاه التاريخي للنظرة العامة إلى المرأة، منذ كان هناك امرأة وكان هناك رجل، يؤكِّد أن المرأة هي رمز الجنس والإغراء، وإن كان الرجل في بعض الأحيان رمزاً للإغراء، ولكن النظرة العامة تكرّس الفكرة التي سبق أن شرحناها. وأنا أعتقد أن هناك الكثير من الفتيات في المرحلة الثانوية والجامعية، يؤكّدن بعدما يدرسن المجتمع الذي يعشن فيه وطريقة الشباب في التعاطي معهنّ، أن نظرة الرجل إلى المرأة عبارة عن نظرة جنسية أكثر منها نظرة إنسانية. وطالما كانت الأنثى بالنسبة إلى الذكر موقعاً من مواقع إثارة الرغبة الجنسية في هذا المجال. وتأكيداً لذلك أطرح سؤالاً يفرض نفسه في هذا الإطار، وهو أن العالم يعيش اليوم حرية كبيرة، سواء العالم الغربي أو في بعض البلاد الشرقية، ولكن لماذا ما زلنا نسمع بأحداث اغتصاب، أو بتحرّشات جنسية كلامياً أو لمساً أو ما أشبه ذلك، أما المرأة، فهي لا تتحرش بالرجل، باستثناء بعض المعقّدات جنسياً.
من هنا أقول: إن الإسلام أراد أن يحفظ كرامة المرأة من خلال الحجاب، لأنها تستطيع بذلك أن تثبت نفسها في المجتمع كإنسانة وليس كمجرد صورة تجذب الرجال إليها.

س: ولكن المرأة هي في النهاية أنثى، فإلى أي مدى هي قادرة على إثبات نفسها كإنسانة دون الالتفات إلى الجانب الأنثوي الذي يميزها ويشكّل شخصيتها الحقيقية؟

ج: إنّ الإسلام لا يريد للمرأة أن تُسقط أنوثتها، وهو يتيح لها أن تمارس "أنوثتها" في المجتمع النسائي، وكذلك مع زوجها ومحارمها داخل منزلها، فالإسلام يرى أن مسألة الأنوثة تنحصر في دائرة معينة تنفتح على الجنس في إطار العلاقة الزوجية، بيد أن الإنسانية تساوي بين المرأة والرجل وتجعلها في مقام أقوى وأهم.

س: كيف تنظر إلى صورة المرأة العربية اليوم؟

ج: المرأة العربية تعيش اليوم بين مظهرين، فهناك المرأة العربية التي تعيش ثقافتها من الأفلام وقصص الحب والغرام، والتي تعتبر أن الحرية الجنسية بدرجاتها المتفاوتة هي التي تمثّل حرية المرأة، وهناك المرأة الملتزمة التي ترتدي الحجاب على أساس احترام إنسانيتها، لأنها ل تريد أن تخرج كـ"جسد"، وإنما تريد أن تخرج إلى المجتمع كعقل وإرادة وما إلى ذلك.

س: ما هي الرسالة التي توجهها إلى المرأة العربية في شكل عام؟

ج: نقول للمرأة العربية: إن الإعلام العربي، وخصوصاً في بعض الفضائيات والمجلات، يحاول أن يُقدّم المرأة كمظهر جنسي من خلال إظهار مواضع الإغراء في جسدها، في الوقت الذي لا يقدِّم الرجل بمثل هذه الصورة، رغم أن الجانب الجنسي مشترك بين الرجل والمرأة على حدٍّ سواء، الأمر الذي يدل على تجاهل المرأة كقيمة عقلية وفكرية وجعلها مجرّد مظهر جنسي، واضعين بذلك إرادة المرأة وشعورها وإحساسها وعقلها في الدرجة الثانية. لذلك نحن نريد للمرأة أن تكون كالرجل، إنساناً يشارك في الثقافة والعلم، وكذلك في الحياة الاجتماعية والسياسية مع المحافظة على الجانب الأخلاقي الإنساني القيمي.
الـزواج:

س: ما هو رأيكم في تشريع الزواج المدني في لبنان، حيث إن لبنان بلد متعدد الطوائف؟

ج: في التشريع الإسلامي، يجوز للرجل المسلم، وبحسب الكثير من الاجتهادات، أن يتزوج من اليهودية أو النصرانية، أي المرأة التي تؤمن بالكتاب، سواء كان التوراة أو الإنجيل، ولكن لا يجوز للمسلمة أن تتزوج غير المسلم، ولعلّ السبب في ذلك، أن الإسلام يؤمن بباقي الأديان ويعترف بموسى وعيسى، بينما لا يؤمن النصارى واليهود بالنبي محمد(ص). لذلك فإن الرجل المسلم إذا تزوج بالكتابية، فإنه يحترم مقدساتها كمسلم متديّن، أما الرجل المسيحي أو اليهودي، الذي وبحسب ديانته لا يعترف بالإسلام ونبيّه، فإنه لن يتقبل ديانة زوجته المسلمة. لذلك فالزواج المدني مرفوض، وبخاصة في زواج المسلمة من غير المسلم.

الإعلام العربي يتجاهل المرأة كقيمة عقلية وفكرية ويجعلها مجرد مظهر جنسي

س: كيف تصفون زواج المسيار من وجهة نظركم كعالم دين شيعي؟

ج: الزواج هو عقد بين الرجل والمرأة كباقي العقود التي يلتزم بها كل طرف بالحقوق الشرعية للطرف الآخر، ولكن نحن نقول إن إعلان الزواج أفضل من إخفائه.

س: أنتم من رجال الدين القلائل الذين كتبوا الشعر وأحبّ الناس قصائدهم... فهل لكم أن تخبرونا عن أكثر المواضيع التي تحبّون معالجتها من خلال كتابة الشعر؟

ج: لقد حاولت في مداخلاتي الشعرية أن أطرق كل الأبواب، سواء الأبواب الاجتماعية أو السياسية والغزلية أو ما إلى ذلك.
في السياسـة:

س: ألا ترون أن إقامة دولة علمانية في لبنان قد يكون الحلّ الأمثل لدرء خطر الطائفية الذي ينهش بالجسم اللبناني منذ عام 1860، خصوصاً أن البعض يؤكد أن رجال الدين في لبنان كانوا يلعبون دوراً في صبّ الزيت على النار من أجل تأجيج الأوضاع وحفظ مكانتهم بين اللبنانيين؟

ج: لبنان دولة علمانية وقوانينه تؤكد ذلك، أما الطائفية فليست ديناً، الطائفية قبلية عشائرية، ورجال الدين في لبنان هم واجهاتٌ لهذا النظام الطائفي، وليس لهم أي تأثير على الواقع السياسي والقانوني فيه، وهذا ما عبّرت عنه في خطبة يوم الجمعة الماضي، حينما قلت: إن الذين اجتمعوا في القمة الروحية لا يستطيعون أن يحرّكوا شيئاً في لبنان.

س: المعروف أنك صديق لمرشد الثورة الإسلامية في إيران، السيد علي الخامنئي، إلا أنه طالما كان لديكم تحفّظ على مسألة ولاية الفقيه، لماذا؟

ج: بحسب اجتهادي الشخصي، لا أرى للفقيه ولاية عامة على الناس، ولكنني أقول: إذا توقف حفظ النظام العام للمجتمع على قيادة الفقيه، فعند ذلك يمكن للمجتمع أن ينتخب الفقيه الذي يملك إدارة شؤون المجتمع، وما عدا ذلك، أنا لا أؤمن بولاية الفقيه.

س: بعد الغيمة السوداء التي مرّت على لبنان، هل تتخوّفون من حدوث فتنة سنية شيعية في لبنان؟ وكيف تعلّقون على الصورة المؤلمة التي رسمها الشباب اللبناني في تلك الأحداث؟

ج: ليس هناك خوف من حدوث فتنة سنية شيعية في لبنان، حتى وإن انطلق اللغو في ذلك من بعض رجال دين أو رجال سياسة، لأن قضية الفتنة السنية الشيعية هي مسألة تتحرك بطريقة غرائزية، وليس هناك أي امتداد للغرائز في حياة الناس، بل هي مجرد حالة أو لحظة سوف تزول. وقد سألني بعض الصحافيين أيام الحرب ما إذا كان بإمكان اللبنانيين أن يعودوا إلى ما هم عليه من مواطنية؟ فقلت: بلى، عندها قال: كيف ذلك والحرب تتحرك في الساحة المحلية؟ فأجبته بأن اللبناني تاجر، والتاجر ينسى الخسارة إذا التقى بالربح.

س: ما هي الرسالة التي توجهونها إلى الشعب اللبناني في نهاية هذا الحديث؟

لبنان دولة علمانية وقوانينه تؤكد ذلك
ج: لبنان هو بلد الثقافة والإبداع والجمال، لذلك أقول لكلّ اللبنانيين ألاّ يسمحوا للآخرين بأن يستفيدوا من خلافاتهم الداخلية، وأتوجه إليهم بالقول: إن عليكم أن ترتفعوا إلى قمم الجبال، حتى تنفتحوا على قمم الروح والعدل والجمال.

حاورته مايا الحاج

23 يوليو 2008

دعا الطبقة السياسية إلى إعطاء الأولوية للملفات التربوية والاقتصادية والاجتماعية
فضل الله: التجربة التربوية اللبنانية غنية بمؤسساتها المتنوعة شريطة إبعاد السياسيين عنها

تحدّث سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، في اللقاء السنوي الأول مع العاملين والإداريين في جمعية المبرات، في قاعة الزهراء(ع) في حارة حريك، عن واقع العملية التربوية في لبنان، ومما جاء في كلمته:
إن الإسلام عندما انطلق من خلال رسالة النبي محمد(ص)، فيما أنزله الله عليه من وحي، أراد للإنسان أن يتحمل مسؤوليته في كل طاقة من الطاقات التي يمتلكها، فالطاقة التي يمتلكها الإنسان ليست امتيازاً، بل هي مسؤولية ـ يتحملها ـ ولسوف يسألنا الله جميعاً عن طاقاتنا كيف استخدمناها، وفي أي من المجالات التي تهم الإنسان وتخدم بني البشر. كما أن الله سيسألنا ويحاسبنا على ما فرّطنا فيه من طاقاتنا، لأنّ هدر الطاقات هو من أخطر وأفظع أنواع الهدر، وقد يمثل تقصيراً في مكان وخيانةً في مكان آخر، بالنظر إلى المهمة التي تتسم بها حركة الإنسان هنا وهناك.
ومن هنا حرص الإسلام على تقدير إمكانات أي إنسان ورفض احتقار أي شخص بحجة أنه ينتمي إلى هذه الطبقة الاجتماعية التي قد ينظر الناس إليها نظرةً دونية، لأن أي شخص وأي عامل تبقى له مكانته المهمة التي تنطلق من خلال ما يقدمه للناس ـ في موقعه ـ بصرف النظر عن ماهية هذا الموقع، فالناس محتاجون لبعضهم، ومسألة التعاون فيما بينهم أساسية للحفاظ على المسيرة الإنسانية العامة... ومن هنا رأينا كيف أن الإسلام اهتمّ بالعمّال والموظفين وأراد للمشرفين عليهم أن يحسنوا إليهم على مستوى احترامهم وعلى مستوى احترام حقوقهم وتقدير عطاءاتهم.
إن مجتمع الموظفين هو حياة المؤسسات، فلولاهم لما استطاعت هذه المؤسسة أو تلك أن تنهض، وعلى المؤسسات العامة والخاصة أن تعمل دائماً على دراسة أوضاع الموظفين لرفع مستواهم المعيشي بما يحفظ كرامتهم وعزتهم ويؤمّن لهم العيش الكريم، وتلك هي مسؤولية الدولة التي تضع السياق القانوني العام لحركة المؤسسات، كما هي مسؤولية المؤسسات نفسها، التي يتوجب عليها الابتعاد عن كل أشكال الاستغلال للموظفين والعمّال، أو التعمية على حقوقهم أو تقييدهم بشروط قد تسقط حقوقهم أو تمنعهم من المطالبة بها.
إن ثمة مشكلة نعيشها في لبنان تنطلق من هذا التداخل القاتل والذي يتعمده الكثيرون، معتمدين على ما أسس له نظام المحاصصة بين الأمور ذات الطابع الاجتماعي مع الأمور التي تتصل بالدين أو بالجانب السياسي، حيث أن أية مشكلة في جانب تنعكس على الجوانب الأخرى بالمستوى الذي يخلق مشاكل متجددة في البلد ويُحدث أزمة في علاقة المواطنين بعضهم ببعض، وهو الأمر الذي ينبغي تداركه في هذه المرحلة التي يتحدث فيها الجميع عن إعادة صوغ الوحدة الوطنية بالطريقة التي تحفظ توازن البلد وتطل به على استقرار وسلام جديدين.
إننا في الوقت الذي نرفض منطق تسييس الأمور الاجتماعية، نرفض أيضاً إقحام الخطوط السياسية في المواقع التربوية، لأننا نتطلع إلى وحدة تربوية داخلية في لبنان، وإن تنوّعت المؤسسات التعليمية والتربوية، لأننا لا نزال نعتقد إنّ هذا التنوع ـ الذي بات يمثل سمةً أساسية في لبنان ـ يمكن أن يُغني التجربة اللبنانية ويحركها في طرق الإبداع شريطة أن يتنفّس الجميع في جو الحرية المنضبطة والمسؤولة، وعلى أساس أن يبتعد السياسيون فلا يفرضوا ذواتهم وأهدافهم في داخل العملية التربوية التي تنطلق بها المؤسسات المتعددة في لبنان.
إننا ندعو إلى ورشة اجتماعية وتربوية في لبنان وعلى كل المستويات، ونريد للجميع أن يدخل إلى هذه الورشة ويعمل فيها من زاوية أن الحروب والمشاكل اقتحمت علينا بيوتنا ومؤسساتنا وحاولت أن تخرّب الإنسان فينا، كما أن الوضع الاقتصادي الصعب فرض نفسه على المجتمع، الأمر الذي يُحتّم على جميع المعنيين والطبقة السياسية على وجه الخصوص، أن تجعل المسألة الاجتماعية والاقتصادية في رأس أولوياتها بعدما أحرقت المراحل السابقة لحساب هذا الموقع أو ذاك وفرضت أولويات الأشخاص والأحزاب والطوائف والمذاهب نفسها على حساب أولويات الوطن والبناء الوطني العام.

21 يوليو 2008

دعا في لقاء مع «الوسط» إلىحوار هادئ بمشاركة الجميع لتطوير التجربة السياسية
فضل الله: نطالب الأطراف البحرينية بتكريس خيار الوحدة والابتعاد عن الطائفية


بيروت- حيدر محمّد

دعا المرجع الإسلامي آية الله السيد محمّد حسين فضل الله جميع الأطراف البحرينية إلى العمل على تكريس خيار الوحدة الوطنية والإسلامية، والابتعاد عن كلّ مواقع الإثارات الطائفية.وقال السيد فضل الله- في حوار مع «الوسط» :« إنّ رهاننا كبير على كلّ العقلاء في البحرين وثقتنا كبيرة في جميع الأطراف، وندعو الأحبّة في البحرين إلى تأسيس إطارات للحوار بين البحرينيين بعيداً عن جميع الإثارات الطائفية». وشدد السيد فضل الله على أنّ « إعلاء كلمة الوحدة وتجسيدها على الواقع تعد واجباً إلهياً ، وهذه مسئولية الجميع وخصواً الجماعات المعتدلة التي تملك رشدا ووعياً وإدراكا بأهمية التلاقي وتلافي أية أزمات مستوردة من الفتنة التي يُراد إشعالُها في المنطقة».وعن الواقع البحريني دعا السيد محمد حسين فضل الله إلى» حوار هادئ وموضوعي وبنّاء بمشاركة جميع الأطراف لوضع سبل تطوير التجربة السياسية الجديدة في البحرين والدفع بها قدماً للأمام، بحيث يعكس هذا الحوار حركة التمثيل الشعبي الحقيقية». وأشار السيد فضل الله إلى وجود عنصرينِ يرتكزانِ على الفتنة الطائفية في المنطقة، وأوضح أنّ « العنصر الأوّل هو التخلّف الذهني الموجود عند بعض الشيعة والسنة الذين يعيشون في الماضي والتاريخ، ولا ينفتحون على مسألة الحوار التي هي حاجة إنسانية وإسلامية مع أنّ الحوار هو السبيل للوصول إلى النتائج».ولفت السيد فضل الله إلى أنّ «الحوار ليس من الضروري أنْ يصل إلى الوحدة، ويكفي أنه يؤدّي إلى التقارب والانسجام والوقوف على مواقع اللقاء كما يدعو بذلك القرآن « قلْ تعالوا إلى كلمة سواء»، فإذا كان الوحي القرآني يدعونا إلى الحوار والتفاهم مع غير المسلمين، فالأولى والمقدم هو الحوار بين المسلمين أنفسهم، وهذا الحوار بات ضرورة وليس ترفاً».وأكد العلاّمة فضل الله « إنّ ما يتفق عليه السنة والشيعة هو 80 في المئة، وهذه هي مساحة المشتركات الكبيرة التي ينبغي العمل من خلالها واستثمارها، ويجب أنْ تكرس كلّ الجهود وتعمل كلّ الأيدي من أجل إنجاح الانسجام الإسلامي». وأشار السيد فضل الله إلى أنّ «السبب الآخر الذي يسهم في إشعال وقود الفتنة الطائفية في المنطقة هي بعض القوى الدولية التي تعمل من خلال المواقع التابعة لسياساتها لإذكاء الانقسام؛ لأنّها عبر هذه الطريقة تنقل المسلمين من مواجهة الخطط التي تُحاك ضدهم إلى مواجهة بعضهم بعضا، لذا يجب أنْ نكون على مستوى الوعي الذي يؤهلنا لمواجهة تحديات الواقع الذي يفرضه الآخرون على مجتمعاتنا».وأعاد السيد فضل الله التذكير بفتاواه السابقة التي حرّم فيها سب الصحابة أو الإساءة لهم وكذلك أمهات المؤمنين تحت أيّ اعتبار من الاعتبارات، وقال السيد فضل الله:» إنّ كل مَنْ يعمل على إثارة الفتنة في الواقع الإسلامي فإنه يخدم المشاريع الاستكبارية الساعية لتدمير الإسلام والكيان الإسلامي كلّه، وكذلك فانّ أية إساءات أخرى قد تنطلق من هذا الموقع أو ذاك فإنها تجر الشعوب إلى المنزلق الخطير ذاته».ودعا العلاّمة فضل الله حكومات المنطقة إلى أنْ تعمل المزيد من أجل ترسيخ ثقافة التعايش وروح الحوار، مُشيداً في هذا الصدد بمؤتمر الحوار بين الأديان الذي شهدته المملكة العربية السعودية أخيراً.وحمّل السيد فضل الله المثقفين مسئولية توعية الشعوب بمخاطر الفتنة الطائفية قائلاً:» نحن نعتقد أنّ هذه هي مسئولية المثقفين سواء كانوا من علماء الدين أم غيرهم، وهؤلاء المثقفون عليهم دور كبير في عملية توعية الشعوب والابتعاد عن القضايا التي من شأنها أنْ تثير الانقسام والتفرقة بين المسلمين وتخلق وقوداً للفتنة بين أبناء المنطقة أو أبناء الوطن الواحد». ورداً على سؤال عن الواقع البحريني في ضوء التحديات الطائفية في المنطقة دعا السيد فضل الله إلى تأسيس إطارات للحوار بين البحرينيين بعيداً عن الإثارات الطائفية، وهذه هي مسئولية الجماعات المعتدلة التي تملك رشدا وادراكا بأهمية التلاقي وتلافي أية أزمات مستوردة من الفتنة التي يُراد إشعالُها في المنطقة، ونحن نراهن على الأصوات العقلانية في جميع الفئات».وبشأن تقييمه للوضع السياسي في البحرين بعد مرور عامين على مشاركة المعارضة في الانتخابات البرلمانية قال السيد فضل الله:» إننا وفي الوقت الذي شجّعنا فيه خيار المشاركة في العملية السياسية والابتعاد عن حالات الانفعال فإننا نؤكّد على ضرورة أنْ تكون المؤسسة التشريعية وهي الإطار المنوط بها إصدار وإصلاح القوانين أكثر توازناً في تمثيل الواقع الشعبي ، ويجب أنْ تكون المؤسسة التشريعية معبّرة عن صوت الإرادة الشعبية وحدَها في القضايا المختلفة.كما دعا السيد محمد حسين فضل الله إلى «حوار هادئ وموضوعي وبنّاء بمشاركة جميع الأطراف لوضع سبل تطوير التجربة السياسية الجديدة في البحرين والدفع بها قدماً للأمام، بحيث يعكس هذا الحوار حركة التمثيل الشعبي الحقيقية بعيداً عن أية تدخلات أخرى، مشيراً إلى أنّ أية مشاركة سياسية لابدّ أنْ تعكس واقع التمثيل الشعبي بشكل عادل».

19 يوليو 2008

رأى أنّ مصر مستهدفة أيضاً بقرار المحكمة الجنائية الأخير ضد الرئيس السوداني
فضل الله: تجزئة العدالة الدولية ترسم علامة استفهام حول كل المحاكم التي تأخذ عنواناً دولياً
أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً علّق فيه على قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد السودان، جاء فيه:
لا يمكن النظر إلى القرار الأخير للمحكمة الجنائية الدولية ضد السودان ورئيسه عمر البشير بمعزل عن الأهداف السياسية التي رُسمت سلفاً للمسألة السودانية منذ أريد لهذا الملف أن يبقى ملتهباً، ومنذ أريد للسودان أن يبقى ساحةً مهتزةً تضربها رياح الفوضى ويهجرها الاستقرار.
لقد عملت اللعبة الدولية منذ عقود على إبقاء السودان ممزقاً، كما عملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على جعله ميداناً من ميادين الاهتزاز في القارة الأفريقية التي أرادت لها أن تتمزّق وتتفتّت تمهيداً للسيطرة الكاملة عليها ونهب ثرواتها الدفينة، وقد دخلت إسرائيل على الخط، فعملت على تغذية هذا الواقع الممزّق بطريقة سياسية تارةً، وأمنية تارةً أخرى، ونحن نلمح أصابع إسرائيلية تعبث في هذه الأيام بالملف السوداني من خلال التنسيق أمنياً واستخباراتياً مع الأمريكيين وغيرهم، لاختراق النسيج السوداني الداخلي، وللضغط على السودان ومن يجاوره بملف المياه والبترول الذي بدأت الأرقام تشير إلى توفّره بكميات مهمة وواعدة.
إننا نعتقد بأن مصر مستهدفة بشكل أساسي من خلال هذه المحاولة الجديدة الرامية إلى إدخال السودان في متاهة جديدة من متاهات اللااستقرار، حيث يُراد للمشاكل والاهتزازات أن تقترب أكثر من الساحة المصرية الداخلية، ولا يبتعد ذلك عن الرسائل التهديدية التي وجِّهت إلى مصر من خلال إسرائيل وغيرها، بأننا جاهزون للعبث بمياه النيل من خلال التهديد بإحكام القبضة على منابعه والتلويح بتسميم مياهه، أو التحكم بمساراتها في حال فكرت مصر في أن تسلك خطاً سياسياً مغايراً لما تتحرك به.
إننا، وبعيداً عن الكلام الساخر الذي يثيره البعض حول عقلية المؤامرة التي تتحكّم بواقعنا عند بروز أية خطوة من هذا النوع، نرى في اتهام المحكمة الجنائية الدولية للرئيس السوداني، محاولةً غربيةً جديدة لقطف ثمار السودان اليانعة سياسياً واقتصادياً، ووضعها في القبضة الأمريكية، وهي محاولة في غاية الخطورة، لأن الأمريكيين بدأوا يفكرون في اختراق المنطقة من موقع جديد، ومن قلب أفريقيا، بعدما أوشكت أحلامهم أن تتداعى في العراق، وهم يتلمسون الدخول إلى السودان من نافذة المحكمة الجنائية الدولية، التي استطاعت أن تخلق بيئة قلقة ومضطربة، ليس في أفريقيا فحسب، بل في طول العالم العربي وعرضه من خلال قرارها الأخير.
إننا نعلم جيداً، ومن خلال معلومات دقيقة، أن الإدارة الأمريكية حاولت أن تساوم النظام السوداني ليتخلى عن سياسته وثوابته العربية والإسلامية كي ترفع عنه هراوة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وتهديدات دول مجاورة وفصائل مناوئة، وعندما فشلت في ذلك، تحركت على مستوى مجلس الأمن مجدداً، وصولاً إلى المحكمة الجنائية الدولية، بهدف تطويع النظام وتخويفه، أو زعزعة الاستقرار الداخلي للسودان وجواره.
إننا نتساءل: لماذا لم تحرك المحكمة الجنائية الدولية ساكناً أمام ملفات الإبادة الجماعية المتصلة بالفلسطينيين والعراقيين وغيرهم من شعوبنا، حيث تتوالى أمام قضاتها الأرقام التي تشير إلى وفاة أكثر من مئتي فلسطيني من خلال حصار إسرائيل لغزة، ومقتل مئات الأطفال وآلاف المدنيين الفلسطينيين على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي؟ ولماذا لم تكلّف هذه المحكمة نفسها ملاحقة الرئيس الأمريكي على جرائم جيشه في العراق وأفغانستان، وعلى اختطافه الكثيرين وسجنهم في سجون عائمة أو في "غوانتانامو" وغيرها، وعلى فظائع هذا الجيش في سجن "أبو غريب" وغيرها من الفظائع في العراق، ولماذا لم تتحرك هذه المحكمة لملاحقة قادة العدو الإسرائيلي الذي قتلوا المئات في حربهم على لبنان وفي قنابلهم العنقودية التي لا تزال تقتل المدنيين اللبنانيين بين يومٍ وآخر؟...
وإذا كان ثمة من يدافع عن هذه المحكمة ويقول إنها تعمل وفق قرارات مجلس الأمن الدولي، فإن ذلك يمثل الدليل القاطع على تسييسها وخضوعها للإرادة الأمريكية المسيطرة عل هذا المجلس، وهو الأمر الذي يطرح علامة استفهام كبرى حول كل المحاكم التي تأخذ عنواناً دولياً، وهي لا تسير إلا من خلال الآليات السياسية المرسومة لها من مجلس الأمن وغيره.
إننا في الوقت الذي لا نبرّىء النظام السوداني من ارتكاب أخطاء، ولا نقبل أن يُظلم أي إنسان على وجه الأرض، بصرف النظر عن دينه وعرقه أو انتمائه السياسي، لكننا نتساءل: لماذا هذه التجزئة في حركة العدالة الدولية؟ ولماذا لا تتوجه سهام المحاكمات إلا إلى معارض السياسة الأمريكية والإسرائيلية؟ ولماذا لا تنطلق العدالة الدولية لملاحقة مجرمي العالم وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي جورج بوش، الذي يمثل أخطر شخصية دموية في العالم أجرت الدماء أنهاراً، وجعلت الأمن والسلم العالميين والاقتصاد العالمي في خطر دائم؟! ولماذا لا يحاكم الجنود الأمريكيون الذين يقتلون ويغتصبون ويظلمون في أي مكانٍ حلّوا فيه في العالم؟ ولماذا لا يُحاكم قادة العدو الصهيوني في فلسطين؟!.
إننا أمام هذا الواقع الذي تسقط فيه القيم على مذبح الأطماع الدولية، وفي قبضة الوحشية الأمريكية، ندعو الشعوب العربية والإسلامية إلى أن تقول كلمتها، وأن تتحرك ميدانياً لرفض هذا الواقع الظالم الذي يُراد فرضه على السودان وعلى الأمة كلها، وأن تنطلق إلى جانبها حركة إعلامية وسياسية ودبلوماسية ضاغطة لإسقاط الخطة التي تعمل أمريكا وإسرائيل من خلالها لاستباحة المزيد من مواقعنا العربية الراسخة ومواقعنا الإسلامية الثابتة.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 17-7-1429 هـ الموافق: 20/07/2008 م

17 يوليو 2008

قيمة المقاومة في إجبارها العالم على الاعتراف بحقوقنا وإلهامها المتجدّد للشعوب العربية والإسلامية
فضل الله: عملية التبادل مثّلت صدمةً للعالم المستكبر وأعادت الاعتبار لإنساننا مقابل الإنسان اليهودي


أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً تناول فيه عملية التبادل الأخيرة وما تحمله من دلالات، وجاء فيه:
لقد أعادت عملية التبادل مع كيان العدو بالطريقة التي تمّت بها، وبالشروط التي فرضتها المقاومة، الاعتبار إلى إنساننا العربي والمسلم... هذا الإنسان الذي تخلّت عنه الأنظمة وتعاملت معه المؤسسات الدولية كإنسان من الدرجة السادسة بعدما جعلت الإنسان اليهودي والإسرائيلي في قمة اهتماماتها، وبعدما أخذت مصالحه في الاعتبار في كل القرارات الدولية المتصلة بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، كما صاغت دول الاستكبار سياساتها الخارجية على أساس احترام توجهاته والنزول عند شروطه.
لقد استطاعت المقاومة في لبنان أن تعيد للعالمين العربي والإسلامي توازنه وحضوره في مقابل الصورة الأسطورية التي صاغتها مخيلة الأنظمة وأجهزتها، وعملت على تركيزها في الذاكرة الشعبية لمنع شعوبنا من أن تمارس دورها في مقارعة المحتل، ولقد كان من المعيب حقاً أن تتخلى الأنظمة العربية عن أسراها ومعتقليها، أو أن ينزل بعضها عند شروط العدو فينقل أسراه مقيدين من سجونه إلى سجونها، كما أننا نعرف أن بعض المسؤولين العرب واجهوا باستياء بعض وسائل الإعلام التي أثارت قضايا أسراهم، وأبرزت وحشية العدو في دفنهم أحياء.
ولذلك فإن قيمة المقاومة في لبنان ـ من خلال عملية التبادل الأخيرة ـ لا تكمن في هذا الإلهام المتجدد لشعوبنا العربية والإسلامية فحسب، بل في أنها تملك أن تعيد الاعتبار لقضاياها وحقوقها وإنسانها، وأن تجبر العالم على الاعتراف بهذه الحقوق والقضايا، وعلى تقدير هذا الإنسان الذي أريد له أن يبقى في دائرة الاستضعاف والاختطاف والأسر وفي واقع الاستهلاك والتخلف والجهالة.
لقد مثلت عملية التبادل صدمة لكل هذا العالم المستكبر، الذي يسمونه مجتمعاً دولياً، لأن هذا العالم لم يقف متفرجاً على تدمير لبنان وقتل أطفاله ونسائه وشيوخه في حرب إسرائيل على لبنان في تموز2006 فحسب، بل عمل على توفير كل المناخات السياسية والإعلامية وحتى الأمنية لإسرائيل لشرعنة حربها على لبنان، بما يؤدي إلى إسقاط المقاومة وقتل روح الممانعة في الأمة، وقد رأينا كيف أن هذا العالم سكت عن كل جرائم إسرائيل ومجازرها في تلك الحرب ولم يؤرقه إلا أسر المقاومة لجنديي العدو، حيث ظل يطالب بإطلاق سراحهما دون قيد أو شرط، متناسياً المعتقلين اللبنانيين والآلاف من المعتقلين الفلسطينيين والعرب في سجون العدو.
إن علينا أن نستفيد من هذه التجربة المميزة للمقاومة في لبنان، في تعاملنا مع هذا العالم المستكبر لدفعه إلى الإقرار بحقوقنا واحترام إرادة شعوبنا، كما أن علينا أن نصرّ على الالتزام بالثوابت التي تحفظ قضايانا ولاسيما ما يتصل بالقضية الفلسطينية والقضية العراقية ـ على الرغم من كل الضغوط التي تمارس في العالم العربي وغيره لدفعنا إلى تقديم تنازلات قد تسقط قضايانا كما تسقط كرامتنا وشخصيتنا العربية والإسلامية.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 14-7-1429 هـ الموافق: 17/07/2008 م
استقبل وفد إيراني
فضل الله: الكثير من المعطيات تشير إلى تسليم المعنيين بحق إيران في البرنامج النووي


استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، الوفد الإيراني الذي شارك في يوم تحرير الأسرى برئاسة المستشار الأول لوزير الخارجية الإيراني حسين شيخ الإسلام، والمدير العام للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الإيرانية، غضنفر ركن أبادي، حيث جرى عرضٌ للأوضاع العامة في لبنان والمنطقة والتطورات الأخيرة على صعيد الملف النووي الإيراني السلمي.
ورأى سماحة السيد فضل الله أن الكيان الصهيوني لا يزال يسعى جاهداً من خلال اللوبي اليهودي في أميركا لدفع الإدارة الأميركية للدخول في حرب مع إيران لحسابه، مشيراً إلى أن هذا الملف قد دخل في مرحلة جديدة قد تتصاعد فيها الضغوط على إيران من دون أن تستطيع دفع إيران إلى التنازل عن حقوقها في التخصيب، مؤكداً أن ثمة معطيات بدأت تشير إلى تسليم الكثير من المعنيين بهذه الحقوق، مع سعيهم لفرض بعض الشروط التي قد تحفظ وجه الجميع في هذا الملف وفي مسألة العلاقات مع الغرب بعامة.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 14-7-1429 الموافق: 17/07/2008

15 يوليو 2008

دعا اللبنانيين إلى العودة إلى أصالتهم الوطنية
ومنع الآخرين من العبث بأوضاعهم الداخلية
فضل الله: لا نريد إعادة تشكيل لبنان على صورة الخلافات العربية ـ العربية


استقبل سماحته الوزير السابق، ناجي البستاني، حيث جرى عرضٌ للأوضاع العامة، إضافةً إلى ملف الضباط الأربعة والتطورات المحيطة بهذا الملف على المستويين السياسي والقضائي.
ورأى سماحته أن ترتيب البيت اللبناني الداخلي على المستوى الحكومي وغيره، يترافق مع ترتيبات تجريها جهات دولية وإقليمية في الداخل اللبناني، لدراسة الأحجام السياسية للأفرقاء اللبنانيين في هذه المرحلة والمرحلة المقبلة، إضافةً إلى حرصها على تثبيت حضورها الدائم والنوعي في الملف اللبناني الداخلي ومعطياته العديدة المرتبطة بأوضاع مختلفة تضجّ بها ملفات المنطقة.
وأشار سماحته إلى أن اللعبة الدولية والإقليمية لا تزال ترى في لبنان ساحةً مثالية لمواصلة حركتها فيه، وإن كانت هذه اللعبة قد خضعت لبعض التحولات بفعل التطورات التي جرت مؤخراً على الساحة اللبنانية الداخلية وفي ساحة المنطقة.
وشدد سماحته على أن يتحمل كل المعنيين في لبنان مسؤولياتهم لإحداث تمايز بين ما يجري في الداخل من صوغ للحلول اللبنانية وبين تطورات الأوضاع المعقدة في المنطقة من دون أن يعني ذلك الابتعاد عن قضايانا الأساسية في المنطقة، ولكن من زاوية منع الآخرين من العبث بالأوضاع اللبنانية الداخلية، وخصوصاً أن البلد مقبلٌ على تطورات في غاية الأهمية ترتبط بالوضعين الاقتصادي والاجتماعي، إضافةً إلى الانتخابات القادمة التي نريدها أن تكون المدخل الذي يؤسس للبنان الحر المستقل، لا أن تعيد تشكيل البلد على صورة المشاكل العربية ـ العربية، أو التناقضات الدولية والإقليمية التي جعلت البلد محوراً من محاور مصادماتها وخصوصاً في السنوات الأخيرة.
ودعا سماحته اللبنانيين إلى إثبات أصالتهم الوطنية من خلال اندفاعهم جميعاً للعمل للبنان حر ومستقل.
وأشار سماحته إلى أننا نلمح تحضيرات خارجية بدأت منذ الآن للتدخل مالياً في الانتخابات القادمة وغير ذلك من الأمور، في الوقت الذي يتطلع اللبنانيون إلى من يساعدهم في الخروج من الضائقة الاقتصادية والاجتماعية ومن المديونية التي أكلت نموهم الاقتصادي والصناعي والزراعي وغيره...
ودعا سماحته كل الذين يفكرون بدعم جماعات بعينها في لبنان إلى أن ينطلقوا لدعم الدولة اللبنانية، لأن أية مساهمة في بناء الدولة القوية العادلة تمثل دعماً للوضع العربي والإسلامي وللاستقرار في المنطقة.
واستقبل سماحته الدكتور حسين كنعان، حيث جرى عرضٌ لقضايا فكرية وشؤون ثقافية راهنة.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 12-7-1429 الموافق: 15/07/2008

14 يوليو 2008

استقبل النائب السابق إميل لحود الذي نقل إليه تحيات والده
فضل الله: لا تزال الإدارة الأمريكية تتدخل في تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية وتحرص على وجود ممثلين لها في لبنان
استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، النائب السابق، إميل لحود، الذي نقل لسماحته تحيات والده الرئيس السابق إميل لحود، وجرى خلال اللقاء بحث في التطورات الأخيرة على الساحتين اللبنانية والإقليمية.
ورأى سماحة السيد فضل الله أن من الضروري قراءة ما يجري في لبنان من خلال الأجواء العامة التي تدار فيها الأمور في المنطقة، مشيراً إلى أن الإدارة الأمريكية التي أصيب مشروعها بالكثير من الوهن والتراجع لا تزال تقف حول كثير من الأوضاع التي تتحرك في المنطقة، ولا تزال تمارس دورها السلبي لتعطيل أية حركة منتجة على صعيد العلاقات العربية ـ العربية.
وأشار سماحته إلى أن الإدارة الأمريكية لا تزال تتدخل في تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية، وهي حرصت وتحرص على وجود ممثلين لها في قلب الحركة الرسمية اللبنانية وخارجها، وأن الذي تغيّر يتمثل في ابتعاد الأمريكيين عن الواجهة شكلياً...
وشدد سماحته، على أن مشكلة لبنان كانت ولا تزال تتمثل في أن النخبة السياسية التي تعمل لحساب الوطن ولا تفكر إلا بمصلحته هي نخبة معزولة، فيما يأخذ الآخرون أدواراً لا تتناسب ولا تنسجم مع مصلحة البلد مع كونهم يتحملون المسؤولية الكبرى في المأساة التي توالت على اللبنانيين فصولاً، لأن استمرارية الزعامات في لبنان لا تزال تخضع لحسابات معقدة وتدخل فيها جهات خارجية متعددة.
وأكد سماحته أن المخرج من الأزمة الراهنة لا ينطلق من المسألة الحكومية وتأليف الحكومة فحسب، ولا من التفاصيل التي تستتبع هذا التأليف، بل من خلال ذهنية يلتزمها الجميع ويعملون على أساسها لصوغ الحلول الداخلية بإرادة وطنية تأخذ مصلحة البلد في عين الاعتبار، ولكن المشكلة هي أن المصالح الشخصية والذاتية هي التي تتقدم على غيرها في معظم الحسابات، كما أن مصالح الآخرين تظل تفرض نفسها على الجهات والشخصيات التي أعيد إنتاجها أو اسيتلادها بإيعاز خارجي أو بضغوط تأتي من هنا وهناك.
بعد اللقاء صرّح النائب السابق إميل لحود:
تشرفت اليوم بزيارة سماحته، ناقلاً إليه تحيات الرئيس إميل لحود، ومستمعاً إلى آرائه، ومستفيداً من خبراته الكبيرة لما له من مكانة مميزة على الصعيد الوطني، وقد أثنيت على جهوده على الصعد كافة، متمنياً له دوام الصحة، ومؤكداً له ضرورة التواصل الدائم فيما بيننا.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 11-7-1429 الموافق: 14/07/2008

13 يوليو 2008

يجب أن تسمع أمريكا كلاماً أوروبياً يدعوها إلى أن لا تغامر مع إيران
فضل الله: إطلاق النار السياسي على المقاومة لمنع الوصول إلى وقف حقيقي لإطلاق النار
أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً علّق فيه على التهديدات والتطورات الأخيرة التي تتعرّض لها المنطقة العربية والإسلامية، جاء فيه:
إن المتتبّع لحركة السياسة الأمريكية في المنطقة يدرك أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، وعلى الرغم من المشاكل التي تعترضها في المنطقة، بدأت في الآونة الأخيرة تلعب لعبة المناورة على غير صعيد، فتدخل على خطوط بعض الأزمات في المنطقة وتمارس ضغوطاً جديدة علّها تستطيع من خلالها تحقيق تسويات موضعية لحسابها، أو أن تستفيد من الجو الإعلامي الذي يرافق رفض دول الممانعة لهذه المناورات كي تمهّد السبيل لمغامرة جديدة في المنطقة كلها.
وقد يكون من المفيد أن تسمع إدارة المحافظين الجدد نصائح أمريكية داخلية أو مواقف اعتراضية تدعوها إلى الإقلاع عن سياسة زجّ العالم في حروب جديدة، ولكن يبدو أن الحزب الديمقراطي في أمريكا يخضع بدوره لما تقرره أو ترسمه لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، وأن التباري مستمر في أمريكا حول من يثبت إخلاصه أكثر لإسرائيل، وهو الأمر الذي برز حتى على مستوى المواقف الأوروبية الأخيرة، حيث بدأنا نشهد انخفاضاً في نبرة المواقف الأوروبية المحذرة لإدارة الرئيس بوش من الدخول في مغامرة حقيقية مع إيران، على العكس من الموقف الأوروبي العام الذي سبق غزو أمريكا للعراق، الأمر الذي يشير إلى أن دول الاتحاد الأوروبي ليست في وارد الدخول في لعبة التهويل والضغط على إيران فحسب، بل بدأت تسلك خطاً سياسياً موازياً للخط الأمريكي مع خضوع تام لما تقرره إدارة المحافظين الجدد حيال أزمات المنطقة من العراق إلى أفغانستان إلى فلسطين وربما إلى لبنان.
وإن هذه المسألة توحي بالخطورة من جانبين: أولاً من حيث تعامي الدول الأوروبية عن الخطر الذي سيلحق بها وباقتصاداتها في حال شنّت أمريكا ومعها إسرائيل حرباً على إيران. وثانياً لأن هذه الدول بدأت تحدّث نفسها بأحلام أطلسية جديدة في المنطقة متوهمةً بأن ما ترسمه أمريكا يمكن لهراوة الحلف الأطلسي أن تنفذه في المنطقة العربية والإسلامية على وجه الخصوص.
وإننا في الوقت الذي نحذّر من أن تتحول هذه الدول إلى أداة أطلسية تحركها الإدارة الأمريكية بما يخدم مصلحتها ومصلحة إسرائيل، ندعو هذه الدول إلى الهمس في أذن المحافظين الجدد، وعلى رأسهم نائب الرئيس الأمريكي، بألا يتوهموا بأن خريطة المنطقة يمكن أن يُعاد تشكيلها رأساً على عقب من خلال مغامرة يمكن أن تقوم بها الإدارة الأمريكية في الأسابيع أو الأشهر الأخيرة التي تسبق نهاية عهدها وولايتها، بل إن المهمة الأساسية التي ينبغي على هذه الدول أن تقوم بها تتركّز حول البحث عميقاً في الأسباب التي جعلت العالم يشتعل اقتصادياً بعدما اشتعل أمنياً بفعل حروب المحافظين الجدد الذين لا يزالون يتوهّمون أن ثمة هدية يمكن أن يقدّموها لإسرائيل قبل رحيلهم من البيت الأبيض.
إننا نلمح في الأفق محاولة أمريكية للضغط في أكثر من موقع لإعادة خلط الأوراق وإدخال المنطقة في تجاذب سياسي وأمني بدءاً من العراق، الذي لا تزال تفكر إدارة الرئيس بوش باستخدامه كورقة ضغط ضد جيرانه من خلال السعي لتكبيله بمعاهدة أمنية تجعله قاعدة أمريكية وأطلسية مستمرة، إلى أفغانستان التي جلبت إليها قوات أطلسية جديدة فرنسية وألمانية على وجه الخصوص، وصولاً إلى فلسطين التي يُراد لها أن تسقط تماماً في القبضة الإسرائيلية... وعلى اللبنانيين أن يفكروا ملياً في الأسباب التي دفعت أمريكا ـ بوش لإعادة تحريك ملف مزارع شبعا وفي هذا الوقت بالذات، وفي ظل حديث إسرائيلي عن ضرورة توسيع نطاق التفويض المعطى لقوات "اليونيفيل" كي تمارس دوراً مناقضاً لمهمتها ومواجهاً للمقاومة...
إن ذلك كله يشير إلى أن أمريكا ـ الإدارة لا تعمل على تهدئة المناخات المحيطة بهذا الملف أو ذاك، لأنها لو كانت تسعى إلى ذلك لتحركت لإيجاد صيغة تتجاوز وقف العمليات العسكرية إلى وقف إطلاق النار، ولكانت طلبت من ربيبتها إسرائيل إيقاف اعتداءاتها وخروقاتها البحرية والبرية وانتهاكاتها الجوية في لبنان، ولكن ما نراه من إطلاق نارٍ سياسي كثيف على المقاومة يترافق مع إدخالها في لوائح الإرهاب كما فعلت بريطانيا أخيراً، ومع إيحاءات بالتسوية المشروطة المترافقة مع حرب نفسية تقودها أمريكا ومعظم الإدارات الغربية إلى جانب كيان العدو، وهو الأمر الذي ينبغي العمل لمواجهته إعلامياً وسياسياً إلى جانب الإعداد الميداني الذي يشترك فيه الجميع لمنع إسرائيل من القيام بعدوان جديد على لبنان، كما تستعد شعوب المنطقة لمنع أمريكا من أن تخرج رابحة في أية مغامرة قد تفكر بالقيام بها في هذا الموقع العربي أو ذاك الموقع الإسلامي.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 10-7-1429 هـ الموافق: 13/07/2008 م

11 يوليو 2008

دعا الأمم المتحدة إلى فضح السياسة الأمريكية العاملة على قتل الناس جماعياً من خلال سياسة التجويع
فضل الله: الإدارة الأمريكية مزّقت أفريقيا وتركتها فريسة للأمراض المستعصية
استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وفداً من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ضمّ الدكتورة خديجة معلن، منسقة البرنامج الإقليمي لمرض فقدان المناعة المتكسبة (الإيدز) في الدول العربية، والدكتور إيهاب خرّاط، كبير مستشاري البرنامج.
وقد وضع الوفد سماحته في أجواء أنشطة البرنامج، وخصوصاً في البلدان العربية والإفريقية في ظلّ الأرقام المتصاعدة والمخيفة للمصابين بـ"الإيدز" وغيره من الأمراض الفتّاكة، والتي باتت تهدد مصير الملايين من البشر، وتنذر بعواقب صحية وخيمة تهدد البشرية.
وبعدما أثنى سماحة السيد فضل الله على أنشطة البرنامج وجهود العاملين فيه، أكد على ضرورة أن تتظافر الجهود العالمية لمكافحة الأمراض المستعصية وتقديم العلاجات الممكنة للمرض من دون التوقف عند الهوية الدينية أو العرقية أو السياسية لهؤلاء، مشيراً إلى أن من أبسط الحقوق للإنسان أن يلقى الرعاية والحماية والمعالجة إذا كان مريضاً، كما أن من حقّ المجتمعات على المريض أن يتحرك بالطريقة التي تحدّ من تطور المرض وتمنع انتقاله للآخرين.
وأكد سماحته احترام الإسلام لحياة الإنسان وحمايتها، بصرف النظر عن هويته الدينية أو السياسية أو العرقية، مشيراً إلى أن الإسلام اعتبر أن الحفاظ على حياة الإنسان يمثل قيمة دينية وإنسانية كبرى، كما أن الإسلام حمّل المسؤولية للبشر جميعاً لكي يحافظوا على البيئة الصحية والاجتماعية والمناخية التي يعيشون فيها، ومن هنا، فإن قيمة الحفاظ على الإنسان لا تبتعد في العمق عن قيمة الحفاظ على الأرض وعلى المناخ العام الذي يحفظ توازن الإنسان والحياة.
ولفت سماحته إلى أهمية نشر الوعي حول كل الأسباب التي تؤدي إلى انتشار مرض فقدان المناعة (الإيدز) وغيره من الأمراض، وضرورة العمل على الوقاية منها بالإمكانات المتوافرة، مشيراً إلى ضرورة أن تتعاون السلطات الرسمية والجمعيات الأهلية مع برامج الأمم المتحدة المختصة بهذا الجانب.
كما حثّ سماحته المعنيين بهذا البرنامج في الأمم المتحدة على تكثيف جهودهم وحركتهم في البلدان الفقيرة، وخصوصاً في البلدان العربية والإسلامية وغيرها، مشيراً إلى ما تعانيه الدول الإفريقية الفقيرة في هذا المجال، داعياً إلى الاهتمام بهذه الدول وبشعوبها الفقيرة، وخصوصاً أن الدول الكبرى عملت على استباحة إفريقيا ونهب ثرواتها وتمزيقها سياسياً وأمنياً ثم تركتها كبيئة مريضة متداعية تفتك بها الأمراض الخطيرة والمستعصية، وربما ساهمت دول العولمة المتوحشة في جعل الشعوب الأفريقية تسقط كفريسة للأمراض والآفات في ظلّ نظريات غربية تتحدث عن ضرورة تخفيض عدد سكان العام، وخصوصاً الدول الفقيرة من خلال الأمراض والحروب وغيرها، بينما تنعم هذه الدول بالرفاهية الصحية والاجتماعية والاقتصادية وعلى المستويات كافة.
وشدد سماحته على أن تتحدث الأمم المتحدة، وأمينها العام بالتحديد، بصراحة عن سياسة التجويع والتمريض التي تمارسها الدول الكبرى حيال الدول الفقيرة، مشيراً إلى ضرورة أن تمارس الأمم المتحدة دورها في فضح هذه السياسات الظالمة إذا كانت لا تملك الإمكانات العملية لرفع الظلامة الاقتصادية والاجتماعية والصحية عن الشعوب المستضعفة والفقيرة.
وأشار سماحته إلى قمة الدول الصناعية الثمانية وكيف تحللت هذه القمة من وعودها للأفارقة، مشدداً على أن الإدارة الأمريكية من خلال زعامتها لهذه الدول ومن خلال سياستها الإمبراطورية، لا تمارس قتلاً يومياً للناس في الحروب فحسب، بل تمارس عمليات القتل الجماعي من خلال سياستها الاقتصادية القائمة على النهب والتجويع والاحتكار والتلاعب بأسعار السلع الأساسية.
واستقبل سماحته الدكتور عدنان السيد حسين والدكتور زياد الحافظ، حيث جرى بحثٌ في أمور ثقافية وفكرية.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 7-7-1429 الموافق: 10/07/2008

9 يوليو 2008

فضل الله استقبل وفداً من حزب البعث
وأشار إلى بقاء لبنان ساحة استقطاب لحالة اللاإستقرار
استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وفداً من حزب البعث العربي الاشتراكي برئاسة الأمين القطري للحزب، الوزير السابق فايز شكر، يرافقه الأمين القطر المساعد محمد محمدية، وعضوا القيادة القطرية، عدنان خدّاج وإبراهيم عيسى، وجرى خلال اللقاء البحث في تطورات الأوضاع الأخيرة على الساحتين اللبنانية والعربية.
ورأى سماحة السيد فضل الله، أن لبنان لا يزال يمثل ساحة اللاإستقرار في المنطقة، لأنه لا يزال يمثل حالة من الاستقطاب السياسي الجاذبة للعديد من القوى الإقليمية والدولية التي تبحث عن موقع يلبي طموحاتها ويحقق مصالحها، وبالتالي فإن لبنان لا يزال بالنسبة إلى العديد من هذه القوى يمثل الساحة المثالية لذلك، إضافةً إلى أن التداعيات الأخيرة في المنطقة والتي تأثر بها المشروع الأمريكي لم تصل إلى المستوى الذي يُحدث التوازن في الساحات المتعددة التي كان يتحرك فيها هذا المشروع، لأن حركة التسويات لا تزال في بدايات تشكلها، ولا تزال المحاور الدولية أو الإقليمية تراهن على متغيرات معينة قد تعكس صورة الأوضاع القائمة. وأشار سماحته إلى وجود حرب نفسية على مستوى المنطقة تربك أوضاعها وتفضي إلى اهتزاز سياسي يحاول محاكاة بعض الأوضاع الأمنية في ظلّ تهاويل تأتي من هناك وتهديدات من هنا.
وشدد سماحته على أن ذلك يستدعي من اللبنانيين أن يسارعوا إلى إنتاج وفاقهم الداخلي وتجاوز الكثير من الأمور الشكلية العالقة على مستوى تأليف الحكومة وغيرها، لأن البطء في المعالجة قد يقودنا إلى التأزيم، كما أن تصاعد المشاكل والتوترات الأمنية قد يخلق أوضاعاً تعيدنا إلى مراحل التعقيد السابقة التي يرفضها اللبنانيون جميعاً، وخصوصاً أن المشكلة الاجتماعية والمعيشية وصلت إلى مستوى الكارثة والتي لا نلمح تحركاً جدياً لمعالجتها في ظلّ استخدام الكثيرين للأوضاع السياسية والأمنية كملهاة تمنع من أخذ مصالح الناس في عين الاعتبار.
وأشار سماحته إلى أن الذين يديرون مسألة التوزير في حركة الحكومة وخارجها لا يأخذون أوضاع الناس وآلام الشعب اللبناني بالجدية اللازمة، الأمر الذي يترك الانطباع لدى المواطنين بأن اهتمامات هؤلاء تقتصر على دوائرهم الضيقة وأوضاعهم الخاصة.
بعد اللقاء صرّح الوزير السابق فايز شكر:
تشرفنا مع وفد من القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، بزيارة سماحة السيد محمد حسين فضل الله، وكانت مناسبة للاطمئنان إلى صحة سماحته التي نتمناها دوماً على خير ما يرام، لما يمثله سماحته من مكانة دينية ووطنية للبنانيين والوطنيين والأحرار في العالم.
وقد تطرقنا خلال اللقاء إلى ما يعانيه لبنان على المستوى السياسي القلق والمضطرب وأزمته الحكومية المستمرة منذ أسابيع والذي يهدد تأخير تشكيلها بتفاقم الأوضاع السياسية والأمنية المهتزة أصلاً... وما نسمعه ونشاهده على هذا الصعيد لا يبشّر بالخير على الإطلاق.


مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 6-7-1429 الموافق: 09/07/2008

8 يوليو 2008

استقبل "ملتقى شباب بيروت" ونبّه إلى أن لبنان يدفع الضريبة من خلال عنواني المقاومة والتحرير
فضل الله: هناك جراحات حصلت في الواقع الإسلامي وعلينا تضميدها لا نكؤها
استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وفد "ملتقى شباب بيروت للعمل الاجتماعي" برئاسة الدكتور محمد عيتاني وحضور شخصيات وفاعليات اجتماعية وقانونية.
وتحدث عيتاني باسم الوفد، مشيراً إلى اللجان التي شكّلها الملتقى، والتي تتحرك في مجال نبذ الفتنة على مستوى الساحة البيروتية، مؤكداً أنّ "السيد فضل الله يمثل ضمانة كبرى للوحدة الإسلامية، وهو مرجعية إسلامية أكبر من حجمها المذهبي، وتمثل المسلمين جميعاً وتحرص على وحدتهم وقوتهم وتفاعلهم وتماسك خطوطهم، مشيراً إلى أن التجمع سيواصل سعيه لتوحيد صفوف المسلمين من السنة والشيعة من خلال خطواته الميدانية، وأيضاً من خلال تواصله مع المرجعيات الإسلامية الوحدوية.
وتحدث سماحة السيد فضل الله في الوفد مقدِّراً عملهم وسعيهم لتوحيد الصف الإسلامي، مشيراً إلى أن البناء اللبناني العام لا يمكن تشييده إلا من خلال القاعدة الإسلامية التي نريدها أن تكون قوية ومحصّنة بالوحدة، لتشكل ـ إلى جانب القاعدة المسيحية ـ أرضية متينة وقوية قادرة على الانطلاق بحركة البناء اللبناني على جميع المستويات.
وأشار سماحته إلى أن تاريخ بيروت هو تاريخ الوحدة التي لا تعرف التعصب المذهبي أو الحساسيات الطائفية... بيروت التي انطلقت كحاضنة لقضايا العروبة والتي مثّلت القضايا العربية والإسلامية الأصيلة في مواجهة المحتل الإسرائيلي والمستكبر الدولي، والتي انطلقت منها التظاهرات المتعددة والمسيرات الكبرى التي رفدت القضية الفلسطينية ووقفت إلى جانب الشعب الفلسطيني، وإلى جانب كل من احتضن قضيته من عبد الناصر إلى الثورة الإسلامية في إيران وكل خطوط المقاومة والممانعة التي مثّلت الأمة في مسيرتها الأساسية ضد الجلادين والمحتلين والناهبين الدوليين.
أضاف: كنا ولا نزال نؤكد أن خلافات الأخوة لا بد أن تعالج بالحوار ومن خلال الحرص على الخروج من دائرة التعقيد إلى فضاء الانفتاح، ونحن نعرف أن هناك جراحاتٌ أصابت البيت الإسلامي الداخلي كما أصابت البيت اللبناني العام، ولكن علينا رصد ما حصل في نطاقه السياسي، وأن نعمل جميعاً على تضميد الجراح، لا أن ننكأ هذه الجراحات من خلال الخطاب الانفعالي الساعي لإخراج القضية من بعدها السياسي إلى تعقيدات مذهبية لا أساس لها في كل ما حدث، إضافة إلى أنه لا يجوز تحت أي اعتبار أن نعمل على تعميق حركة الخلافات والمشاكل في الواقع الإسلامي، وكذلك في الواقع اللبناني.
وتابع سماحته: إنني أتساءل، ويتساءل معي الكثيرون، لماذا تصر الإدارة الأمريكية على إضفاء الطابع المذهبي على أية مشكلة موجودة في العالم العربي والإسلامي، ولماذا كل هذا التركيز على السنّة والشيعة؟ لماذا لا يحدثوننا عن الظلم اللاحق بالسنة والشيعة من خلال الاحتلال الإسرائيلي والاحتلال العراقي، ولماذا تركز الاستخبارات الدولية عملها على هذه المسألة بالذات؟.. إنهم يريدون تشتيت جهودنا جميعاً في نطاق فتن داخلية تمنعنا من تحرير أرضنا وتدخلنا في نطاق جدل مذهبي لا يأخذ سماحة الإسلام وانفتاحه في الاعتبار، بل يحاول أن يُقدم الشيعة والسنة كنموذجين عشائريين متقاتلين، والواقع أن مشاكل العالم الإسلامي لم تنطلق من السنة والشيعة كوجهتي نظر في فهم الإسلام، بل انطلقت من أمريكا ومشروعها، ومن إسرائيل واغتصابها وأطماعها المستمرة، وهذا ما ينبغي للحركات الإسلامية والأحزاب أن تركّز عليه، كما ينبغي لكل العاملين على المستويات الاجتماعية والسياسية وغيرها أن يتلفتوا له.
ونبّه سماحته إلى أن لبنان يدفع ثمن اللااستقرار من خلال عنوانين أساسيين عمل على احتضانهما الأول ويتمثل بالمقاومة ضد العدو الإسرائيلي، والثاني ويتصل بعنوان الحرية، لأن هذه الحرية التي يتمتع بها لبنان والتي لا نريد لها أن تتحول إلى فوضى استطاعت أن تلهم الكثيرين في العالم العربي والإسلامي ليقفوا مع خطوط الممانعة في مواجهة خطوط الانهزام والخذلان.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 4-7-1429 الموافق: 07/07/2008